ارتفاع عوائد السندات وتصاعد جديد للأزمة التجارية يدفعان الأسواق للهبوط
هبوط جماعي في وول ستريت وأوروبا وآسيا، مخاوف من العجز المالي الأمريكي، وارتفاع خطير لأسعار الذهب
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
تراجعت الأسواق عالميًا خطوة إلى الوراء هذا الأسبوع، إذ أدَّى الاتساع المحتمل في العجز المالي للولايات المتحدة، وارتفاع عوائد السندات، وعودة التوتر التجاري، إلى هبوط جماعي في أسعار الأسهم. من وول ستريت إلى شنغهاي مرورًا بفرانكفورت، أغلقت المؤشرات الرئيسية بانخفاض أسبوعي، بينما قفزت عوائد الخزانة الأميركية واقترب الذهب من مستويات قياسية، ولامس "بتكوين" قمة تاريخية جديدة، في مشهد يعكس تحوّل سردية الهدوء التجاري التي سيطرت على الأسواق منذ بداية مايو إلى حالة قلق من امتزاج ارتفاع العجز المالي الأمريكي بتصاعد جديد للتوتر التجاري.
خسر مؤشري S&P500 وNasdaq نحو 2.6% خلال الأسبوع، وتراجع Dow Jones بنسبة 2.5%. وكذلك سارت البورصات الأوروبية والآسيوية على الخط نفسه، مع تعرّض الأسواق المرتكزة على التصدير لأكبر الضربات إثر تلويح واشنطن بفرض رسوم جديدة على الاتحاد الأوروبي. في المقابل، اندفع المستثمرون إلى الذهب الذي لامس 3,365 دولارًا للأونصة، بينما اخترقت العملة الرقمية الرئيسية "بتكوين" حاجز 112 ألف دولار. هذه التوليفة غير المعتادة—هبوط الأسهم، وارتفاع العوائد، مع ضعف الدولار—تشير إلى أن السردية المسيطرة على الأسواق في الوقت الحالي هي الخوف من ارتفاع العجز المالي الأمريكي على خلفية مشروع الموازنة الجديدة، بالتوازي مع التأثير السلبي للتعريفات الجمركية التي يتلاعب بها ترامب، ما قد يدفع معدلات النمو والتضخم إلى مناطق الخطر.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والذهب، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
حزمة الإنفاق المالي الأمريكية تُربك سوق السندات
أقرَّ مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون الإنفاق الضخم المعروف باسم "The One Big Beautiful Bill"، وهو حزمة مالية بقيمة 5 تريليونات دولار لخفض الضرائب بهدف إعادة توطين الصناعة. أدى تمرير مشروع القانون إلى قفزة فورية في عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.63%، قبل أن يستقر العائد عند 4.51% بنهاية الأسبوع. بالتوازي، اخترق عائد السندات لأجل 30 سنة حاجز 5% لأول مرة منذ سبعة عشر شهرًا. هذا الارتفاع في العائد على السندات طويلة الأجل يرفع بدوره تكلفة رأس المال التي يتم على أساسها احتساب التقييمات الأساسية للأسهم، ما يضغط بشكل مباشر على أسعارها، ويؤدي، كما أوردنا في المقدمة، إلى انخفاض واسع في الأسواق.
💡 توقعات خبراء أموال: جاء تراجع الأسهم الأمريكية في حيز توقعاتنا هذا الأسبوع بين 2%-3%. ولكن إذا لم تُظهِر البيانات الاقتصادية أيّ ضعف هيكلي خلال صيف 2025، وإذا استمرت الهدنة التجارية بشكلها الحالي، فالأرجح أن تستمر الأسهم في الارتفاع حتى أغسطس على الأقل. ومع إقرار حزمة الإنفاق الأمريكية، فقد نشهد موجة صعود ثانية تدفع الأسهم إلى مستويات تاريخية جديدة أعلى من 6,150 دولار. لكن إذا وصلت العوائد الحقيقية للسندات طويلة الأجل إلى مستويات 2.85%–3%، حينها يجب التخارج بالكامل من أصول المخاطرة، والاحتماء بالملاذات الآمنة التقليدية (الذهب والسندات) حتى يتدخل الفيدرالي بخفض الفائدة.
بعد الهدنة مع الصين.. ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي برسوم جديدة
وصلت الصدمة الثانية صباح الجمعة، حين وصف ترامب المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبي بأنها "كارثية"، وهدّد بفرض رسوم عقابية جديدة بنسبة 50% على جميع الواردات الأوروبية اعتبارًا من 1 يونيو المقبل. طالت تهديدات ترامب شركة Apple، فقد حذّر من مواجهة هواتف آيفون رسومًا جمركية منفصلة قدرها 25% إذا لم يتم تجميعها على أراضٍ أمريكية. أدّى هذا التهديد إلى تراجع سهم Apple بنسبة 3% في جلسة واحدة ليسجل بذلك هبوطًا قدره 7.5% خلال الأسبوع، فيما انخفضت أسهم العمالقة Microsoft وNvidia وAmazon وMeta ما بين 1% و2%. ورغم أنّ كثيرًا من المحللين استبعدوا أن يتجاوز هذا السيل من التصريحات حدود المناورة التفاوضية، أعادت الحادثة إلى الأذهان تصريحات ترامب المتتالية التي هزّت الأسواق في النصف الأول من أبريل الماضي.
أرباح الشركات تعكس اضطراب السياسات التجارية والنقدية
يُشارف موسم الأرباح الخاصة بالربع الأول من 2025 على الانتهاء وسط نتائج متباينة. فقد تجاوزت أرباح Walmart، التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع، التوقعات بدعمٍ من صمود الطلب على السلع الأساسية حتى مع تصاعد التوتر التجاري، لكنها حذَّرت في الوقت نفسه من أن صدمة الرسوم الجمركية قد تمتد إلى الأسعار خلال النصف الثاني من 2025. وعلى النقيض، أخفقت Target في بلوغ تقديرات المحللين وخفضت توقعاتها للعام بأكمله، ما دفع سهمها إلى التراجع بأكثر من 5%. في حين تفوقت نحو ثلاثة أرباع شركات مؤشر S&P500 على تقديرات المحللين، وعاد نموّ الأرباح السنوي ليظهر مجددًا. لكن مع ذلك جاءت التوجيهات المستقبلية للشركات حذرة على نحو لافت، وأرجعت معظم مجالس الإدارات هذا التشاؤم إلى مخاطر ثلاثة: ارتفاع أسعار الفائدة، مخاطر التضخم، وصدمة الرسوم الجمركية.
خارج الولايات المتحدة، سجّلت "Baidu" الصينية نموًا في الإيرادات بنسبة 3% مدعومةً بارتفاع بنسبة 42% في مبيعات تكنولوجيا الحوسبة السحابية القائمة على الذكاء الاصطناعي، في إشارة إلى أن دفعات التحفيز من بكين بدأت تظهر في صورة قدرة أعلى للشركات على الإنفاق، حتى لو بقي المستهلكين الأفراد متحفظين.
الذهب عند مفترق طرق
قفز الذهب نحو 4.8% هذا الأسبوع ليغلق عند 3,575 دولارًا للأونصة، على بُعد خطوات من قمته التاريخية، مُخالفًا القاعدة التقليدية التي تربط ارتفاع العوائد على السندات بضغطٍ سلبي على أسعار الذهب. يُشير هذا التناقض إلى أن المستثمرين يشترون من خلال الذهب تأمينًا ضد الفوضى المالية المحتملة نتيجة تمرير قانون الإنفاق الأمريكي الجديد واستمرار التلاعب بالرسوم الجمركية. التهديد الأكثر إلحاحًا لسعر الذهب في الوقت الحالي يتمثل في انتهاء صلاحية عقود خيارات يونيو يوم الثلاثاء 27 مايو. فقد أصبحت العقود الحالية خارج نطاق التوازن على نحو غير مسبوق، ما يهدد بهبوط مفاجئ في السعر إلى نقطة التوازن حول مستويات 3,095 دولارًا. تشير السوابق التاريخية المماثلة إلى أن سعر الذهب يمكن بسهولة أن ينهار بأكثر من 3% في جلسة واحدة، كما حدث في 25 نوفمبر 2024.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يهبط السعر إلى مستويات 3,080‑3,120 دولاراً خلال الجلسات القادمة، يتبع ذلك ارتفاعًا جديدًا إلى مستويات 3,550-3,650 دولار بنهاية صيف 2025 (أغسطس إلى منتصف أكتوبر)، قبل الهبوط مجددًا إلى مستويات 2,900 دولار بنهاية العام بالتوازي مع استقرار تداعيات الحرب التجارية.
الخلاصة: الأسبوع الأخير من مايو يختبر صبر المستثمرين
مع انطلاق الأسبوع المقبل، يستعدّ المتعاملون لمواجهة البيانات الاقتصادية المرتقبة وأية تطورات جديدة في ملف الرسوم التجارية. في الولايات المتحدة، تصدر بيانات الإنفاق والدخل لشهر أبريل، لتُظهر ما إذا كان الزخم القوي في الاستهلاك خلال الربع الأول من 2025 امتدّ إلى الربع الثاني أم بدأ يتعثّر. كما ينشر الاحتياطي الفيدرالي، الأربعاء المقبل، محضر اجتماعه في مايو، وسيبحث المحللون بين السطور لمعرفة مدى الإجماع حول قرار تثبيت الفائدة وشروط التيسير النقدي المستقبلي.
في أوروبا، تتحول الأنظار إلى قراءات التضخم لشهر مايو، حيث يتم الإعلان عن بيانات التضخم الألماني الأربعاء القادم أيضًا، فيما يُنشَر مؤشر التضخم الأوليّ لمنطقة اليورو يوم الجمعة. مع استقرار أسعار النفط وتراجع الضغوط الاقتصادية ببطء، يُتوقع تراجع التضخم الرئيسي في المنطقة إلى قرابة 3% (مقابل 3.5% الشهر الماضي).
أما في الصين، ستُصدر بكين مؤشراتها الرسمية لمديري المشتريات PMI عن شهر مايو، وستكشف هذه البيانات أداء القطاع الصناعي الذي أظهر بوادرًا للانكماش في أبريل. سيدفع أي ضعف إضافي السلطات الصينية إلى العمل على حزم مالية إضافية لتنشيط الماكينة الاقتصادية ودعمها في مواجهة الضغط الأمريكي.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. بدأنا في مطلع مايو في الانكشاف جزئيًا على الأسهم الأمريكية وبتكوين، تحسبًا لتحولٍ إيجابي في مسار الحرب التجارية، ورفعنا نسبة المحافظ من أصول المخاطرة تدريجيًا خلال مايو مع ارتفاع شهية المخاطرة في السوق.