كيف تعيد الصدمات السياسية رسم خريطة الاستثمار العالمية
حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين وحرب كلامية بين ترامب والفيدرالي
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
أغلقت الأسواق العالمية واحدًا من أكثر الأسابيع توترًا منذ جائحة كورونا، بعدما لوّح الرئيس دونالد ترامب بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في ذروة حربٍ تجارية محتدمة مع الصين. نتيجة لذلك، استمرت الأسهم الأميركية في الانخفاض، وهبط الدولار، وقفز الذهب فوق 3,350 دولار للأونصة. يواجه المستثمرون الآن بيئة جيوسياسية تضع استقلالية الاحتياطي الفيدرالي على المحك، وتعيد هيكلة سلاسل الإمداد، بينما تغادر رؤوس الأموال الولايات المتحدة إلى أسواقٍ توفر مزيجًا أفضل من ارتفاع العائد واستقرار السياسات المالية النقدية.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والسلع، مع هذه الأحداث المتسارعة، ونحلل ما إذا كان ما نشهده هو اضطراب عابر، أم بداية لمرحلة جديدة تتراجع فيها هيمنة الدولار، ويُعاد فيها تشكيل النظام المالي العالمي على أسس مختلفة.
هجرة رؤوس الأموال إلى الوضوح السياسي والنقدي
تهديد ترامب بإقصاء جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، يمثل خرقًا لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، المؤسسة النقدية الأهم في العالم، التي استمرت قرابة لعقود. مجرد الشك في تبعية السياسة النقدية للبيت الأبيض، أو نجاح ترامب في إقصاء باول عن منصبه، قد يهوي بالدولار أكثر من 10% "خلال ساعات" ويدفع سوق السندات الأمريكية إلى أزمة أسوأ من صدمة كورونا، يمتد أثرها بشكل سلبي للغاية على الأسهم.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع استمرار هبوط مؤشر S&P500 حتى مستويات 4,650 لـ4,750 دولار، بالتوازي مع استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق. في حالة نجاح ترامب في إقصاء باول عن منصبه، سيضطر المستثمرون إلى إعادة تسعير مخاطر السوق الأمريكي في ضوء انعدام استقلالية السياسة النقدية، وسيدفع ذلك مؤشر S&P500 إلى الانهيار إلى ما دون 3,900 دولار (ما يعادل مكرر ربحية PE Ratio في مستويات 12-14). لكن هذا السيناريو ليس السيناريو الأكثر احتمالية لدينا في ضوء المعطيات الحالية.
على الجانب الآخَر من الأطلنطي، قرار البنك المركزي الأوروبي بخفض الفائدة إلى 2.40% يضع منطقة اليورو على مسار معاكس للفيدرالي المجمَّد. حيث بدأت تدفقات رؤوس الأموال تتجه بالفعل إلى الأسهم والسندات الأوروبية مع بداية أزمة الرسوم الجمركية، واستمرت هذه التدفقات في الخروج من السوق الأمريكي في ظل الحرب الكلامية بين ترامب وباول.
أما في اليابان، هزّت تداعيات الحرب التجارية، إلى جانب الارتفاع الحاد للين، الأسواق بشدّة. إذ ارتفع مؤشر Nikkei 225 في النصف الأول من الأسبوع، قبل أن يتعرّض لعمليات بيع حادّة يوم الخميس 17 أبريل. نتج هذا التقلّب عن اختلاف المعنويات نتيجة تضارب الأخبار عن الرسوم الجمركية. ارتفعت الأسعار في بداية الأسبوع بمجرد التلميح عن محادثات خلف الكواليس، غير أن التفاؤل تبدّد سريعًا بفعل التصعيد السريع بين واشنطن وبكين ومخاوف الركود العالمي، مع استمرار تدفق رؤوس الأموال إلى الين باعتباره ملاذًا آمنًا في ظل تصاعد الأزمة بين ترامب والاحتياطي الفيدرالي.
💡 توقعات خبراء أموال: استمرار الأزمة سيدعم الأسهم والسندات خارج الولايات المتحدة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
الحرب التجارية تستمر، والصين تُصعّد
مع استمرار ترامب في لهجته العدائية تجاه الصين، رفعت بكين الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأمريكية إلى 125%، وفرضت رسومًا إضافية بلغت 49% على الغاز الأمريكي المُسال، واستبدلته بالغاز الروسي. وضاعف القرار الجديد واردات الصين من الغاز الروسي، ما يجعلها الآن ثالث أكبر مورّد للغاز المُسال إلى الصين بعد قطر وأستراليا، وأجبر القرار الشركات الأمريكية على إعادة توجيه السفن التي تحمل الغاز الأمريكي إلى أوروبا. رد ترامب، كعادته، بفرض رسوم إضافية على بعض الواردات الصينية بلغت 245%، في إشارة إلى عدم وجود نية لدى الطرفين للتفاوض على الأقل على المدى القريب.
فضلًا عن تحوّل استيراد الغاز المُسال إلى روسيا، كثّفت بكين شراكاتها داخل آسيا وأوروبا لتعويض الخسائر المحتملة من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. كما سلط الإعلام الرسمي الصيني الضوء هذا الأسبوع على اتفاق غاز جديد مع إيران وأرقامٍ تداول تجاري قياسية مع دول "آسيان" (التي تضم 10 اقتصاديات في جنوب شرق آسيا، من ضمنها ماليزيا وسنغافورة)، ما يعكس استعداد الصين إلى تحمّل استمرار التصعيد مع الولايات المتحدة.
💡 توقعات خبراء أموال: سيمتد تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب والحرب التجارية مع الصين على الاقتصاد الأمريكي، وبالتبعية على الأسواق العالمية، حتى نهاية 2025، بما في ذلك احتمالية انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود طفيف.
الذهب يلمع مجددًا، لكن التصحيح يقترب
واصل الذهب مساره الصاعد بقوة، إذ تخطى 3,350 دولار للأونصة مع نهاية الأسبوع، مع سعي المستثمرين إلى ملاذ آمن يحميهم من التضخم المحتمل والاضطراب الجيوسياسي. تستند جاذبية الذهب الحالية إلى تراجع العوائد الحقيقية، وضعف الدولار، فضلًا عن مشتريات البنوك المركزية، لا سيما في الأسواق الناشئة التي تعزز احتياطياتها تحسبًا لتقلبات العملة.
💡 توقعات خبراء أموال: يُرجَّح أن يواصل الذهب الارتفاع باتجاه نطاق 3,500‑3,600 دولار في غضون أسبوعين، مدفوعًا بهذا الطلب القوي. يتبع ذلك تصحيحًا سريعًا قد يهبط بالسعر إلى 2,990‑3,150 دولاراً خلال أسبوع إلى أسبوعين، أي انخفاض بنحو 10‑15% بحلول منتصف مايو إلى مطلع يونيو.
العملات الرقمية
تماسكت العملات الرقمية على الرغم من تقلّبات الأسواق العالمية، حيث تداول بتكوين ضمن نطاق ضيّق قرب 84–85 ألف دولار، دون تذبذب يُذكر (+0% إلى +1% خلال الأسبوع). استفاد بتكوين من هروب رؤوس الأموال من السوق الأمريكي، فحتى مع استمرار تراجع الأسهم الأمريكية، استطاع بتكوين الحفاظ على تذبذب محدود.
💡 توقعات خبراء أموال: من غير المتوقع أن يرتفع بتكوين خلال الأشهر المقبلة في ظل تقلبات السوق واستمرار حالة عدم اليقين في ظل الحرب التجارية. يتصرف بيتكوين كأصل عالي المخاطرة مرتبط بالسيولة النقدية المتوفرة في الماكينة الاقتصادية العالمية، وليس كأصل دفاعي، ما يجعله غير فعال كأداة تحوط في هذه المرحلة. في حالة تحول السياسة النقدية الأمريكية إلى خفض الفائدة أو التيسير الكمي، سيؤثر ذلك إيجابيًا على السيولة النقدية المتاحة للاستثمار في العملات الرقمية، ما قد يرفع السعر للارتفاع مرة أخرى. معدل المخاطرة الحالي لبتكوين = 26.5%
الخلاصة
تتداخل حاليًا ثلاثة متغيرات يندر اجتماعها: تهديد استقلال البنوك المركزية وخاصة الاحتياطي الفيدرالي، وحرب تجارية تعيد توزيع سلاسل الإمداد، وتباعد حاد في السياسة النقدية بين الولايات المتحدة وأوروبا. استمرار هروب رؤوس الأموال من الولايات المتحدة قد يمتد تأثيره حتى نهاية 2025، بالتوازي مع التأثير التضخمي المحتمل للرسوم الجمركية الجديدة، واحتمالية تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي.
ينصح خبراء أموال بتخفيض الانكشاف على الأصول الأميركية، وزيادة التركيز على أوروبا وآسيا، وتعزيز حيازة الذهب لحماية المحافظ في حالة تفاقم الأزمة بين ترامب والفيدرالي.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. ومازلنا في انتظار اللحظة المناسبة للاستثمار في أصول المخاطرة مرة أخرى خلال النصف الثاني من 2025.