الأسواق العالمية تحلق عاليًا وسط انفراجة تجارية تاريخية
العالم ينتظر تحركات الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
دخلت الأسواق المالية العالمية في حالة من النشوة الاستثمارية خلال الأسبوع الأخير من يوليو 2025 ، مع تسجيل مؤشرات وول ستريت أرقامًا قياسية جديدة يومًا تلو الآخر، مدفوعة بتفاؤل كبير حول انفراجة وشيكة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا. هذا التفاؤل جاء في أعقاب اتفاق تجاري بقيمة 550 مليار دولار بين واشنطن وطوكيو، والذي فتح الباب أمام صفقات مماثلة مع شركاء تجاريين آخرين.
في الوقت نفسه، اتخذت البنوك المركزية الكبرى موقفًا حذرًا، حيث أبقت على أسعار الفائدة دون تغيير، مع تحول ملحوظ في نبرتها نحو التريث والانتظار. البنك المركزي الأوروبي فاجأ الأسواق بموقف أكثر تشددًا من المتوقع، مما قلص توقعات خفض الفائدة، بينما يستعد الاحتياطي الفيدرالي لاجتماع حاسم نهاية الشهر وسط ضغوط سياسية متزايدة.
الذهب، الذي كان نجم الأسواق خلال الأشهر الماضية، شهد أول تراجعًا أسبوعيًا بنسبة 0.5% إلى 3,335 دولارًا للأونصة، في إشارة إلى تحسن شهية المخاطرة لدى المستثمرين. وفي المقابل، واصلت أسواق الأسهم العالمية مسيرتها الصاعدة، مع بروز مؤشر الأسهم اليابانية Nikkei كنجم الأسبوع بارتفاع تجاوز 4%.
وول ستريت يواصل الصعود
سجل مؤشر S&P 500 أسبوعه الخامس على التوالي من المكاسب، مرتفعًا بنسبة 1.4% ليغلق عند مستوى قياسي جديد بلغ 6,388 نقطة. جاء هذا الأداء المذهل مدعومًا بنتائج قوية لأرباح الشركات وبيانات اقتصادية إيجابية، حتى مع استمرار المستثمرين في مراقبة المفاوضات بين إدارة ترامب وشركاء الولايات المتحدة التجاريين.
مؤشر Nasdaq المثقل بأسهم التكنولوجيا سجل هو الآخر أرقامًا قياسية جديدة، مستفيدًا من أرباح قوية للشركات التقنية الكبرى. حتى مؤشر Dow Jones الصناعي اقترب من تسجيل قمة جديدة متخطيًا مستويات 2024.
💡 توقعات خبراء أموال: الارتفاع القياسي الحالي للأسهم الأمريكية يعكس تفاؤلاً مفرطًا من جانب المستثمرين. حاليًا، يتم تداول مؤشر S&P 500 عند مكرر ربحية (P/E Ratio) يتجاوز 20 مرة (أي أن المستثمر يدفع أكثر من 20 دولارًا مقابل كل ارتفاع قيمته دولارًا واحدًا في أرباح الشركات)، مما يشير إلى أن التقييمات الحالية للأسهم مرتفعة نسبيًا. يزيد هذا الوضع من حساسية الأسواق تجاه أي مخاطر جيوسياسية أو تجارية محتملة.
صفقة يابانية تغير قواعد اللعبة
كان الحدث الأبرز هذا الأسبوع هو الإعلان عن اتفاق تجاري شامل بين الولايات المتحدة واليابان، والذي وصفه الرئيس ترامب بأنه "إنجاز يفوقؤر التوقعات". الاتفاق، الذي تبلغ قيمته 550 مليار دولار، نجح في إزالة تهديد فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات اليابانية مقابل قبول طوكيو لرسوم موحدة بنسبة 15% على صادراتها.
تضمنت الصفقة التزام اليابان باستثمار 550 مليار دولار في مشاريع أمريكية، وشراء 100 طائرة من بوينج، وزيادة واردات الأرز الأمريكي بنسبة 75%، بالإضافة إلى زيادة المشتريات الدفاعية. في المقابل، خفضت الولايات المتحدة مطالبها بالرسوم الجمركية ووافقت على قبول معايير السلامة اليابانية للسيارات.
رد فعل الأسواق كان فوريًا وإيجابيًا. قفز مؤشر Nikkei بنسبة 3.5% في اليوم التالي للإعلان، ووصل إلى أعلى مستوى له في عام عند 42,000 نقطة. كما ارتفعت أسهم شركات السيارات الأمريكية مثل General Motors وStellantis بنسبة تتراوح بين 9-12%، مستفيدة من انتهاء فترة عدم اليقين التي تسببت في تذبذب الأسواق.
أوروبا على موعد مع القرار المصيري
مع اقتراب الموعد النهائي في الأول من أغسطس، تهدد الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية عقابية بنسبة 30% على مجموعة واسعة من الصادرات الأوروبية. ومع اتجاه أنظار المستثمرين نحو المفاوضات الجارية، ظهرت إشارات قوية بحلول نهاية الأسبوع على اتفاق وشيك.
التقى الرئيس ترامب برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الأحد (27 يوليو). أشار الجانبان إلى أنه من المحتمل الوصول إلى اتفاقٍ إطاري بفرض رسوم أساسية بنسبة 15% على معظم السلع الأوروبية، وهو رقم أفضل بكثير من سيناريو الـ30% الذي كان يهدد بتعطيل صناعات بأكملها.
استجابت الأسواق الأوروبية بإيجابية لهذا التقدم. حيث ارتفع مؤشر STOXX 600 بنسبة 0.5% تقريبًا، مقتربًا من قمته التاريخية التي حققها في مارس. كما شهدت أسهم شركات السيارات الأوروبية على وجه الخصوص ارتفاعات قوية على أمل تجنب حرب تجارية عبر الأطلسي.
على صعيد السياسة النقدية، قرر البنك المركزي الأوروبي تثبيت سعر الفائدة عند 2.0% في 24 يوليو، وأشارت رئيسة البنك، كريستين لاغارد، إلى أن الاقتصاد الأوروبي "في وضع جيد" مع توقعات بوصول التضخم إلى الهدف المستهدف. خفّض هذا الموقف من توقعات المزيد من خفض أسعار الفائدة. الأسواق، التي كانت تتوقع بشكل شبه يقيني خفضًا في سبتمبر، تراجعت إلى احتمال 80% فقط لأي خفض للفائدة في 2025. لاغارد تجنبت أي وعد بالتيسير النقدي، قائلة إن البنك المركزي الأوروبي في وضع "الانتظار والمراقبة".
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على غرار الاتفاق الياباني، مع رسوم جمركية بنسبة 15% على نطاق واسع و50% على الصلب والألمنيوم. سيزيل هذا الاتفاق سحابة عدم اليقين عن الأسواق الأوروبية وقد يدفع الأسهم الأوروبية للارتفاع بنسبة 5-7% إضافية.
الذهب يستعد للانطلاق من جديد
دخل الذهب في مرحلة حاسمة من مسيرته الصعودية التاريخية. بعد ثلاثة أشهر من التداول في نطاق ضيق حول مستويات 3,300 دولار. بدأ الذهب الأسبوع الماضي بقوة، حيث تجاوز 3,430 دولارًا للأونصة. لكن مع اقتراب موعد انتهاء عقود الخيارات لشهر أغسطس يوم الإثنين القادم، اتجه السعر للهبوط مؤقتًا مغلقًا الأسبوع عند 3,338 دولارًا للأونصة. يحتفظ الذهب بمستويات دعم قوية عند مستويات 3,300 إلى 3,350 دولارًا، المستويات التي نجحت في صد ثلاث محاولات هبوط خلال الشهر الماضي.
تتسارع تدفقات رؤوس الأموال إلى سوق الذهب بشكل ملحوظ. حيث ارتفع الإقبال على العقود الآجلة للذهب بشكل حاد، متجاوزًا المستويات التي تحرك فيها خلال الشهور الأخيرة. هذه التطورات، والتي عادة ما تسبق حركة السعر، تشير إلى تراكم مراكز شرائية كبيرة استعدادًا للموجة الصاعدة المرتقبة.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن الاستقرار الحالي في الذهب هو فرصة شراء على المدى الطويل. مع استمرار المخاطر الجيوسياسية وارتفاع الديون الحكومية عالميًا، نتوقع أن يستأنف الذهب مساره الإيجابي بعد صدور قرار الاحتياطي الفيدرالي والإعلان عن خطة الخزانة الأمريكية بنهاية يوليو. ننصح بالاحتفاظ بنسبة لا تتجاوز 30% من المحفظة في الذهب للاستفادة من ارتفاعه المحتمل في النصف الثاني من 2025.
الحدث الأهم: الإعلان المرتقب لخطة التمويل الحكومية الأمريكية
في 31 يوليو، ستعلن الخزانة الأمريكية عن خطة التمويل الحكومية (Quarterly Refunding Announcement - QRA)، وهو الحدث الذي تحول من إعلان تقني روتيني إلى واحد من أهم المحركات الرئيسية للأسواق المالية العالمية. في هذا الإعلان، تحدد الخزانة كيف ستمول نفقات الحكومة خلال الربع القادم، وهو قرار له تأثير مباشر على أسعار الفائدة والسيولة في الأسواق. تتضمن خطة التمويل عدة عناصر حرجة: حجم إصدارات السندات الحكومية بمختلف آجالها، التوازن بين أذون الخزانة قصيرة الأجل والسندات طويلة الأجل، برنامج إعادة شراء السندات القديمة، ومستوى السيولة المستهدف في حساب الخزانة العام. كل من هذه القرارات يؤثر بشكل مباشر على حجم السيولة في الأسواق وأسعار الفائدة طويلة الأجل.
اكتسب إعلان هذا الربع أهمية استثنائية لعدة أسباب. أولاً، وصل العجز الأمريكي إلى مستويات قياسية تتطلب تمويلاً ضخمًا، ما يضع ضغطًا على أسواق السندات. ثانيًا، مع اعتماد الخزانة المتزايد على أذون الخزانة قصيرة الأجل (التي تمثل حاليًا 20% من الدين الأمريكي)، هناك تساؤلات حول استدامة هذه الاستراتيجية. ثالثًا، التنسيق الضمني بين الخزانة والاحتياطي الفيدرالي في إدارة السيولة الدولارية أصبح أكثر وضوحًا، مما يثير تساؤلات حول استقلالية السياسة النقدية. يراقب المستثمرون هذا الإعلان لمعرفة ما إذا كانت الخزانة ستستمر في سياستها "التيسيرية الخفية"، أي الاعتماد على أذون الخزانة قصيرة الأجل لتجنب الضغط على أسعار الفائدة طويلة الأجل، أم ستبدأ في "إطالة أجل الدين" بإصدار المزيد من السندات طويلة الأجل، ما يؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع الفائدة والضغط على أسواق الأسهم.
يتوقع خبراء أموال أن تسلك الخزانة الأمريكية أحد السيناريوهات الثلاثة الآتية:
السيناريو الأول: تحفيز مالي عملاق: في هذا السيناريو، تُعلن الخزانة عن خفض كبير في إصدارات السندات طويلة الأجل، ربما بمقدار 100 مليار دولار للربع القادم، مع زيادة الاعتماد على أذون الخزانة قصيرة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، قد تضاعف الخزانة برنامج إعادة الشراء من 30 مليار دولار إلى 60 مليار دولار كل 3 شهور. يعادل هذا السيناريو في تأثيره برنامج تيسير نقدي، حيث يماثل خفض إصدارات السندات بمقدار 100 مليار دولار قيام الفيدرالي بشراء سندات بقيمة 35 مليار دولار شهريًا. سيؤدي إعلان كهذا إلى انهيار في عوائد السندات طويلة الأجل، وقفزة في أسعار الأسهم والسلع، وارتفاع حاد في الذهب وبتكوين، مع انهيار الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية. سيعكس هذا السيناريو هيمنة السياسة المالية على النقدية، حيث تتولى الخزانة فعليًا مهمة تحفيز الاقتصاد بدلاً من الفيدرالي. رغم أن هذا السيناريو مستبعد في نظرنا، إلا أن تصريحات الرئيس ترامب في أوائل يوليو حول "عدم إصدار سندات لأكثر من عام" أثارت مخاوف من احتمال حدوثه.
السيناريو الثاني: استمرار الوضع الراهن: السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الخزانة في نهجها الحالي مع تعديلات طفيفة. ستبقى إصدارات السندات دون تغيير، لكن قد تزيد برنامج إعادة الشراء إلى 40-60 مليار دولار كل 3 شهور، ممولة بإصدارات إضافية من أذون الخزانة. هذا التوازن الدقيق يوفر دعمًا محدودًا لسوق السندات دون إثارة مخاوف من الاعتماد المفرط على الديون قصيرة الأجل. التأثير على الأسواق سيكون محدودًا: ارتياح عام، مع ارتفاع طفيف في أسعار السندات، واستمرار الأسهم والذهب في الصعود. يعكس هذا السيناريو استمرار ما يمكن أن نسميه "التمويل التيسيري"، حيث تدير الخزانة ديونها بطريقة تدعم الاستقرار المالي دون إثارة مخاوف من الاستدامة المالية طويلة الأجل.
السيناريو الثالث: التحول إلى التشديد المالي: في هذا السيناريو المقلق للأسواق، تُبقي الخزانة على أحجام الإصدارات الحالية لكنها تُشير إلى ضرورة زيادتها في الشهور القادمة. حتى دون زيادة فورية، مجرد الإشارة إلى زيادة المعروض من السندات مستقبلاً سيدفع المستثمرين لطلب عوائد أعلى. سترتفع عوائد السندات طويلة الأجل، ما يضغط على أسواق الأسهم والذهب، مع ارتفاع للدولار.
💡 توقعات خبراء أموال: نرجح بنسبة 60% أن تختار الخزانة السيناريو الثاني "استمرار الوضع الراهن"، الإبقاء على المعدلات الحالي للسندات وأذون الخزانة، مع زيادة متواضعة في برنامج إعادة الشراء إلى 50 مليار دولار. سيوفر هذا توازنًا بين دعم الأسواق وتجنب المخاطر طويلة الأجل. في حال حدوث سيناريو التحفيز المالي العملاق، ننصح بزيادة الانكشاف فورًا على الذهب والأسهم وتقليل حيازات الدولار. أما في حال سيناريو التشديد المالي، فيجب زيادة السيولة النقدية والاستعداد لتقلبات حادة في أسواق السندات. سيصدر الإعلان الأولي يوم الأربعاء 31 يوليو في الساعة 8:30 صباحًا بتوقيت شرق أمريكا، مع توقع رد فعل فوري من الأسواق. قد يواجه رئيس الفيدرالي جيروم باول أسئلة حول تداعيات الإعلان في مؤتمره الصحفي في نفس اليوم، مما يضيف طبقة أخرى من الأهمية لهذا الحدث المحوري.
الخلاصة: تفاؤل حذر يسود الأسواق
تدخل الأسواق العالمية الأسبوع الأخير من يوليو 2025 في حالة من التفاؤل الحذر. الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة واليابان وضع سابقة إيجابية، والتقدم نحو اتفاق مماثل مع أوروبا يزيل سحابة كبيرة من عدم اليقين. ومع ذلك، تحول البنوك المركزية نحو المزيد من الحذر يذكّر المستثمرين بأن الطريق أمامنا قد لا يكون سلسًا كما يأملون.
مع دخولنا أغسطس، ستتجه كل الأنظار على إعلان خطة التمويل الخاصة بالخزانة الأمريكية واجتماعات البنوك المركزية. هذه الأحداث لديها القدرة على تحديد اتجاه الأسواق لبقية العام. أثناء ذلك، ننصح المستثمرين بالاستمرار في الاستثمار في الأسهم العالمية، مع الحفاظ على نسبة من المحفظة في الذهب كوسيلة تحوّط، والاحتفاظ بسيولة كافية للاستفادة من أي تقلبات قادمة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.