هدنة الحرب التجارية تدفع الأسواق للصعود
الولايات المتحدة والصين تتفقان على خفض مؤقت للرسوم، وموديز تخفض تصنيفها للديون السيادية الأمريكية
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
أدّت هدنة تجارية مدّتها 90 يومًا بين الولايات المتحدة والصين وتخفيضٌ تاريخي لتصنيف السندات السيادية الأمريكية من قِبل وكالة "موديز" إلى تقلبٍ حادّ في الأسواق هذا الأسبوع؛ غير أنّ الحصيلة النهائية كانت ارتفاعًا صاروخيًا في الأسهم. بينما يبعث الخبر الأول على الارتياح بتخفيف قبضة النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، يسلّط الخبر الثاني الضوء على مأزق مالي يتفاقم في واشنطن، ليجد المستثمرون أنفسهم أمام استمرار لصعود الأسواق على المدى القصير مع استمرار المخاوف من المخاطر طويلة الأمد.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والذهب، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل كيف ستؤثر الهدنة الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
محادثات جينيڤ تقدم حلًا مؤقتًا للصراع التجاري بين الصين وأمريكا
بموجب الاتفاق الذي أُعلن في چينيڤ، ستُخفض واشنطن الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 30% من 145%، فيما تخفّض بكين رسومها إلى 10% من 125%. الصفقة التي وصفها وزير الخزانة سكوت بيسنت بأنّها "تكافئ رفعًا للحصار التجاري" بين البلدين، بالرغم من بقاء المعدلات الجديدة أعلى بكثير من مستويات ما قبل أبريل 2025. ورغم التأثير الإيجابي المتوقع لتلك الهدنة على نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال الربع الحالي، حذر المحللين من عدم التوصل لحل جوهر الخلافات الأمريكية-الصينية كالخلافات على قواعد الملكية الفكرية والقيود المفروضة على صادرات أشباه الموصلات.
يتزامن ذلك مع اعتراف مسؤولي البلدين بغياب التغيير الفعلي للواقع، فبالرغم من إشادة وزير الخزانة سكوت بيسنت باتفاق چينيڤ، لا تزال الرسوم أعلى بخمس مرات من مستويات ما قبل أبريل 2025، وهي مستويات كافية لخفض الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة بنحو 70% إذا تعثرت المباحثات. ولا يتوقع مستشارو بكين مزيدًا من التنازلات قبل نهاية العام، فحسب استطلاعٍ خاطف أجرته بلومبيرغ بين مديري الصناديق الصينيين، من المرجَّح أن يبقى معدل الرسوم عند 30% حتى نهاية 2025. باختصار: تفادى العالم الخطر على المدى القصير، لكنه لم يُنهِ الحرب التجارية بعد.
الأسواق تتفاعل إيجابيًا مع الهدنة التجارية
أدّت أخبار الهدنة التجارية إلى قفزةٍ بنسبة 5.3% في مؤشر S&P 500 ليبلغ 5,960 نقطة، في أفضل أسبوعٍ له منذ منتصف أبريل، وبالتوازي قفز مؤشر NASDAQ إلى مستويات 21,500 نقطة مع إضافة أسهم صانعي أشباه الموصلات ومجموعة الشركات السبعة الكُبرى أو "Magnificent Seven" ما يقرب من 900 مليار دولار لقيمتها السوقية. عالميًا، ارتفع مؤشر STOXX 600 الأوروبي 2.1%، فيما أضاف NIKKEI 225 الياباني 1.3%. أما مقياس الخوف VIX فانخفض دون 18 ليُسجّل أسرع هبوطٍ له على الإطلاق خلال شهر.
تُظهر بيانات المَحافظ أنّ الهدنة التجارية والارتفاع الكبير في الأسهم الذي تبِعها باغت المستثمرين المحترفين، فقد كشف استبيان Bank of America لمديري الصناديق في مايو عن أكبر تخارج من الأسهم الأمريكية منذ أوائل 2023 واحتفاظ مديرو المحافظ بنقد سائل يعادل 4.5% من إجمالي الأصول، وهو النقد الذي يطارد الأسهم حاليًا ويدفعها إلى المزيد من الصعود.
وكالة "موديز" تنتزع آخر تصنيف ممتاز (AAA) للسندات السيادية الأمريكية
بعد أقل من 48 ساعة من الهدنة، جرّدت "موديز" الولايات المتحدة من تصنيفها السيادي الممتاز للمرة الأولى، لتنضم إلى "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" في منح الدَّين الأميركي تصنيف "+AA"، مستندةً إلى مشروع قانون الإنفاق الضخم البالغة قيمته 5 تريليونات دولار والمعروف باسم "The One Big Beautiful Bill"، والذي يتوقع أن يوسع العجز المالي المتفاقم أصلًا. وفيما كان تفاعل الأسواق مع الخبر فاترًا، إذ تراجعت عوائد سندات الخزانة قليلًا ثم عادت لتستقر قرب 4.45% على سندات العشر سنوات، فإن التأثير الحقيقي يظهر في الداخل الأمريكي، حيث عقّدت أخبار خفض التصنيف نقاشات مشروع خفض الضرائب، مشروع الخمسة تريليون دولار، في غرفتي البرلمان.
على الصعيد الاقتصادي، تباطأ مؤشر التضخم CPI إلى 2.3% على أساس سنوي في أبريل، وهو الأدنى منذ مطلع 2021، بينما استقرّت البطالة عند 4.2%. وبالنظر إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي 1.3% في الربع الأول، تبدو الصورة وكأن الاقتصاد يتباطأ بما يكفي لكبح ارتفاع الأسعار لكن دون دفع معدلات البطالة للارتفاع. كما كرّر جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفدرالي، تعليقًا على البيانات الأخيرة، أنّ نطاق الفائدة الحالي عند مستويات 4.25%-4.50% ملائم، مؤكدًا أنّ خفض الفائدة قد يكون سابقًا لأوانه ما لم يهبط المكون الأساسي لمعدل التضخم Core PCE بوضوح إلى المستوى المستهدف عند 2%.
💡 توقعات خبراء أموال: في ظل الهدوء الحالي في الحرب التجارية، وإذا لم تُظهِر البيانات الاقتصادية أيّ ضعف هيكلي، فعلى الأرجح ستبقى الأسهم صامدة، حتى لو تراجعت 2%-3% جرّاء خفض التصنيف الائتماني من قِبَل "موديز". إذا لم تُظهِر البيانات الاقتصادية أيّ ضعف هيكلي خلال صيف 2025، فالأرجح أن تستمر الأسهم في الارتفاع حتى أغسطس على الأقل. وإذا أُقرَّ مشروع الموازنة بشكله الحالي، فقد نشهد موجة صعود ثانية تدفع الأسهم إلى قمم جديدة. لكن إذا وصلت العوائد الحقيقية للسندات طويلة الأجل إلى مستويات 2.85%–3%، حينها يجب التخارج بالكامل من أصول المخاطرة، والاحتماء بالملاذات الآمنة التقليدية (الذهب والسندات) حتى يتدخل الفيدرالي بخفض الفائدة.
الذهب: استمرار الهبوط نحو المستويات المتوقعة
استقرت أسعار الذهب هذا الأسبوع قرب 3,200 دولار للأونصة، مسجلة أكبر هبوط أسبوعي منذ نوفمبر بنسبة 3.6%. لكننا نشهد عاملين متضادين مؤثرين على تداول الذهب؛ الأول، ضغط فنيّ يدفع السعر نحو 3,050 دولارًا للأونصة قبل موعد استحقاق عقود الخيارات في 27 مايو. والثاني، محرّكات أساسية يُرجَّح أن تعيد الزخم لأسعار الذهب في الربع الثالث من 2025.
القوة الدافعة وراء النزيف الحالي هي اقتراب موعد استحقاق عقود خيارات الذهب لشهر يونيو في 27 مايو، إذ يُظهر تحليل أموال أنّ السعر الذي يحقق أقصى توازن في سوق الخيارات، حول مستويات 3,050 دولار، يدفع السوق إلى الهبوط حتى نهاية الشهر. مع انتهاء عقود يونيو في نهاية مايو، ينتقل سعر التوازن مباشرة إلى مستويات 3,160 دولار، ما سيدفع الأسعار للأعلى مجددًا. يعتمد استمرار المسار الصاعد لاحقًا على انخفاض عوائد السندات طويلة الأجل، تحديدًا العائد على سندات العشر سنوات، والذي يؤدي انخفاضه لانتقال الذهب من مرحلة التماسك حول مستويات 3,150 دولار إلى موجة صعود جديدة تصل بالسعر إلى مستويات 3,550 إلى 3,650 دولارًا للأونصة بنهاية صيف 2025.
💡 توقعات خبراء أموال: يستمر الذهب في موجة التصحيح التي بدأها في نهاية أبريل كما أشرنا في نشراتنا السابقة، ونتوقع أن يهبط السعر إلى مستويات 3,050‑3,100 دولاراً قبل نهاية مايو، يتبع ذلك ارتفاع جديد إلى مستويات 3,550-3,650 دولار بنهاية صيف 2025 (أغسطس إلى منتصف أكتوبر)، قبل الهبوط مجددًا إلى مستويات 2,900 دولار بنهاية العام بالتوازي مع استقرار تداعيات الحرب التجارية.
الخلاصة
شهدنا هذا الأسبوع تحول شاشات التداول من اللون الأحمر إلى الأخضر بفعل الهدنة التجارية التي نتجت عن محادثات چينيڤ بين الصين وأمريكا. لكن فعالية هذا الحل، خاصةً مع مشروع الموازنة الجديد، يتركنا أمام سؤال مهم:
هل تواصل الأسواق التسعير الإيجابي لهدنة الحرب التجارية؟ أم تتسلل مخاوف العجز الأميركي وارتفاع الفائدة الحقيقية لتجهض موجة الصعود؟
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. بدأنا في مطلع مايو في الانكشاف جزئيًا على الأسهم الأمريكية وبتكوين، تحسبًا لتحولٍ إيجابي في مسار الحرب التجارية، ورفعنا نسبة المحافظ من أصول المخاطرة تدريجيًا خلال مايو مع ارتفاع شهية المخاطرة في السوق.