أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
تسير الأسواق المالية العالمية خلال شهر يوليو على خيط رفيع؛ فمؤشرات الاستهلاك الأمريكية لا تزال متماسكة، لكن مؤشرات التباطؤ تزداد وضوحًا. يعود المكون الأساسي لمعدل التضخم للارتفاع بفعل الرسوم الجمركية، بالتزامن مع عودة تلميحات ترامب بإقالة جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وفي هذه الأثناء، تستعد أوروبا لاحتمال فرض رسوم أميركية جديدة تصل إلى 30%، فيما تلتزم معظم البنوك المركزية العالمية بنبرة حذرة.
رغم هذه الخلفية المضطربة، تبقى شهية المستثمرين للأصول الخطرة مرتفعة، حيث صعد مؤشر S&P 500 بنسبة 6.8% منذ مطلع العام الجاري مسجلًا قمة تاريخية جديدة نهاية الأسبوع الماضي، وقفز المؤشر الرئيسي لبورصة هونج كونج Hang Seng بنسبة 23%، بينما تخلف مؤشر Nikkei الياباني. وفي سوق السندات الأميركية، ومع تزايد توقعات المستثمرين بخفضٍ وشيك لأسعار الفائدة، تفاقم انحدار منحنى العائد، إذ لامست عوائد الثلاثين عامًا 5%، بينما تستمر عوائد السنتين في التأرجح أسفل مستويات 4%.
يتأرجح سعر الذهب حول مستوى 3,300 دولارًا للأونصة، وسجلت بتكوين قمة تاريخية جديدة فوق مستوى 123 ألف دولار. أما الدولار فتراجع تحت وطأة مواجهة ترامب مع باول، واحتمال تحول مسار السياسة النقدية، خصوصًا في حالة نجاح ترامب في إقصاء باول عن رئاسة الفيدرالي.
يستمر المستثمرون في الإقبال على الأصول الخطرة مع إضافة تحوطات ضد أي مخاطر محتملة. ويرتقبون أسبوعًا مزدحمًا يجمع اجتماعات المركزي الأوروبي وبنك اليابان، وأرباح الشركات التكنولوجية الكبرى، وعدد من المؤشرات الاقتصادية الأمريكية.
عودة الرسوم الجمركية تهدد الاقتصاد العالمي
في الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر إنفاق المستهلكين في يونيو 0.6% على أساس شهري، وتراجعت طلبات إعانة البطالة إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أشهر، وأعلنت البنوك الكبرى عن أرباح قوية. وعلى الرغم من ذلك، انكمش الناتج المحلي الإجمالي 0.5% في الربع الأول، مع توقع نمو متواضع في الربع الثاني. كما عاد التضخم المرتبط بالرسوم الجمركية ليعقّد مسار الفيدرالي.
أوروبا تواجه تهديدًا أميركيًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 30%، ما يقوض خطة التعافي التي رسمها المركزي الأوروبي. وتشير التقديرات إلى أن النمو المتوقع في 2025 قد يقترب من الصفر بفعل الصدمة التجارية. خفّض المركزي الأوروبي الفائدة في يونيو، ويرجَّح أن يتوقف في يوليو مترقبًا مسار واشنطن.
في المملكة المتحدة، يقف التضخم العام عند 3.6% وسط تباطؤ تدريجي في سوق العمل، ومع ذلك، تتوقّع الأسواق خفضًا محتملًا لأسعار الفائدة في أغسطس، بينما يحاول بنك إنجلترا الحفاظ على توازن دقيق بين دعم الاقتصاد في ظل مخاطر التوتر التجاري مع الولايات المتحدة، والحيلولة دون عودة التضخم للارتفاع مجددًا.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى التوجه الأفضل في الوقت الحالي هو الانكشاف المرتفع على الأسهم الأميركية وبتكوين، مع التحوّط عبر شراء مراكز مناسبة من الذهب.
ترامب يهاجم رئيس الاحتياطي الفيدرالي سعيًا وراء خفضٍ مبكر للفائدة
تظل الولايات المتحدة بؤرة اهتمام المستثمرين العالميين. فقد عكَس تحسن الإنفاق الاستهلاكي في يونيو إلى جانب الأرباح الاستثنائية لعدد من البنوك الخاصة حالة تفاؤل، إلا أن المؤشرات الكلية مازالت متباينة، حيث تسارع معدل التضخم بأسرع وتيرة في خمسة أشهر ليعيد إلى صدارة المشهد مخاوف تأثير سياسات ترامب التجارية على الاقتصاد الأمريكي.
على صعيد السياسة النقدية، يدعو عضوا مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كريستوفر والر وميشيل بومان، وكلاهما عُيِّن في عهد ترامب، إلى خفض الفائدة في يوليو، معتبرين أن الرسوم الجمركية لن تُشعل أزمة التضخم وأن المخاطر الحقيقية تكمن في تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدل البطالة. في المقابل، يلتزم جيروم باول الحذر، إذ تدعم بيانات الاستهلاك في يونيو وجهة نظره في التزام الحياد وتثبيت الفائدة حتى تُظهر البيانات اتجاهًا آخَر. تُظهر العقود المستقبلية أن احتمالات خفض الفائدة في اجتماع يوليو (30 يوليو الجاري) لا تتخطى نسبة 4.1% فقط، مع ازدياد الرهانات على الخفض في اجتماع سبتمبر (52.9%) أو ما بعده. وفي هذه الأثناء، لمح ترامب إلى إقالة باول مستغلًا ثغرة قانونية قد تسمح له بإقصائه عن منصبه، ما أضعف الدولار ودعم الذهب.
الذهب يستعد لموجة صعود جديدة
تستمر أسعار الذهب في التذبذب حول مستوي 3,300 دولارًا للأونصة منذ نهاية مايو الماضي، مرتفعة بنسبة 28.5% منذ بداية العام. يعتمد هذا الارتفاع على مزيج فريد من تدهور الثقة في إدارة السياسات النقدية في الاقتصاديات الكُبرى، وتنامي المخاطر الجيوسياسية، وتراجع العوائد الحقيقية على سندات الحكومة الأمريكية، وتوسّع مشتريات البنوك المركزية، خاصة بنوك الاقتصاديات الناشئة، في محاولة لخفض ممتلكاتها من الدولار الأمريكي.
العلاقة التاريخية بين العائد الحقيقي على سندات الحكومة الأمريكية طويلة الأجل وأسعار الذهب مازالت قائمة، بتراجع عائد الخزانة لأجل 10 أعوام وثبات التضخم عند مستويات مرتفعة نسبيًّا، تصبح الفائدة الحقيقية سالبة أو هامشية، ما يُعزز جاذبية الذهب. يزيد من هذا الدعم الخلاف السياسي بين ترامب وباول؛ فمجرد التلويح بإقالة رئيس الفيدرالي يغذّي الشكوك حول استقلالية السياسة النقدية ويضغط على الدولار، فيعزز الطلب على الذهب. بالتوازي، تُشير بيانات احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى استمرار البنوك المركزية في تقليص حيازاتها من الدولار وتعزيز مخزونها من الذهب في عملية تحول هادئة وثابتة نحو الذهب كاحتياطي رئيسي، بدأت خلال أزمة كورونا، وتسارعت منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية واستبعاد الغرب لروسيا من النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
تكمل بيانات التداول في سوق عقود الخيارات الصورة، حيث تراجعت رهانات المتداولين على انخفاض سعر الذهب إلى 13.1% فقط من إجمالي العقود المُتداولة، في أدنى مستوى لها منذ سنوات، بينما ارتفعت رهانات المتداولين على تحرك إيجابي للسعر خلال الأشهر القادمة.
💡 تؤكد هذه البيانات توقعات خبراء أموال، التي طرحناها في الأعداد السابقة، بأن يصل سعر الذهب إلى مستويات 3,700 - 4,000 دولار بنهاية صيف 2025، قبل الهبوط مجددًا دون مستويات 2,900 دولار بنهاية العام أو بداية 2026.
الخلاصة
تستمر الأصول الاستثمارية في تحقيق قمم تاريخية جديدة رغم الأزمة التجارية المتجددة، وتصاعد التوتر بين ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
يعتمد أداء الأسواق الأسبوع القادم على عدد من البيانات والأخبار. البداية ستكون مع انتخابات مجلس الشيوخ الياباني في 21 يوليو، حيث يمكن لأي تغيير في موازين القوى أن ينعكس مباشرة على سياسات الإنفاق العام وعوائد السندات الحكومية.
في 22 يوليو، يُرجَّح أن يُقدِم البنك المركزي على خفضٍ جديد للفائدة، في خطوة تُعزِّز نهج التحفيز التدريجي الرامي إلى تثبيت النمو عند 5%. وفي اليوم نفسه، ستعلن كلٌّ من جوجل وميكروسوفت نتائجها رُبع السنوية؛ وسيترقب المستثمرون ما إذا كانت أرباح قطاع التقنية ستواصل تغذية الزخم الإيجابي للأسهم الأميركية.
يوم 24 يوليو يحمل حدثين محوريين، اجتماع المركزي الأوروبي وصدور قراءات مؤشرات مديري المشتريات لكلٍّ من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. من المرتقب أن يُبقي المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير، إلا أن نبرة كريستين لاجارد، رئيسة البنك، ستكون موضع متابعة دقيقة بحثًا عن أي إشارة تحذيرية إذا ما فُرضت الرسوم الأميركية على أوروبا في موعدها المعلَن. أما بيانات مؤشر مديري المشتريات فستعطي أوضح مؤشر حتى الآن على الاتجاه المحتمل للاقتصاد الأمريكي والأوروبي في الربع الثالث من العام.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.