انحسار التوتر التجاري يفتح شهية المستثمرين
الأسهم تسجل مكاسب جديدة، والبنوك المركزية تستعد للتدخل
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
مع الانحسار المؤقت لمخاوف الحرب التجارية خلال الأسبوعين الماضيين، استمرت البورصة الأمريكية في الصعود. تابعنا تسع جلسات صعود متتالية في وول ستريت ـ أطول سلسلة أرباح منذ أكثر من عقدين ـ أعادت مؤشّر S&P 500 إلى مستويات ما قبل الحرب التجارية التي فجّرها البيت الأبيض مطلع أبريل، وفتحت شهية المستثمرين على العودة إلى الاستثمار في أصول المخاطرة. بينما كانت رؤوس الأموال تتدافع إلى الأسهم من جديد، لمَّح الفيدرالي إلى استمرار الهدنة في دورة التشديد النقدي، مع الانفتاح على خفض الفائدة خلال الأشهر القادمة، واستمر البنك المركزي الأوروبي في خفض الفائدة، مدفوعًا بعودة التضخم الأوروبي إلى الهدف والانكماش المحتمل في التبادل التجاري العالمي.
أما على صعيد البيانات الاقتصادية، فقد سجّل الاقتصاد الأميركي أول انكماش فصلي منذ ثلاث سنوات، لكن أرباح عمالقة التكنولوجيا تجاوزت التوقعات، وخصوصًا لأن أرباح الشركات في الربع الأول من 2025 لم تتأثر بعد بتداعيات الحرب التجارية. في المقابل، سجَّلت الصين قراءة انكماشية لعدة مؤشرات اقتصادية، فيما تداعى خام برنت إلى قاع لم يشهده منذ 2021 مع تضارب التوقعات حول الطلب على البترول خلال الأشهر القادمة.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والسلع، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل ما إذا كان ما نشهده هو بداية حقبة جديدة من الانتعاش في الأسواق مدفوعًا بسياسة نقدية تيسيرية، أم فقاعة مؤقتة تنتهي بظهور أول بيانات اقتصادية سلبية وظهور التأثير الحقيقي للحرب التجارية على أرباح الشركات.
الأسهم تمحو خسائر قرارات ترامب في ظل انكماش طفيف للاقتصاد الأمريكي
نجح المؤشر القياسي للأسهم الأميركية S&P 500 في استعادة جميع الخسائر التي تكبّدها بعد فرض الرئيس ترامب تعريفات جمركية بنسبة 145 % على الواردات الصينية في مطلع أبريل. بحلول إغلاق الجمعة، كان المؤشر أعلى بنحو 0.3 % من مستواه قبل الإعلان عن الرسوم، مدعومًا بنتائج أفضل من المتوقع لكلٍّ من مايكروسوفت وميتا بلاتفورمز وألفابت، ما أقنع المتداولين بأن الشركات الأميركية قادرة على تحمّل ارتفاع التكاليف، على الأقل في الوقت الراهن.
تخفي موجة الصعود في الأسهم وراءها أول انكماش فصلي في الناتج المحلي الإجمالي الأميركي منذ ثلاث سنوات ـ بنسبة 0.3 % على أساس سنوي ـ يرجع معظمه إلى قيام الشركات بتسريع استيراد المكوّنات من الخارج قبل فرض الرسوم في أبريل، ما أثر بشكل سلبي على الميزان التجاري الأمريكي وأدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي. ومع بقاء مؤشر التضخم الأساسي Core PCE حول 3.5 %، وتراجع التضخم العام PCE إلى 2.3 %، يتعيّن على رئيس الفيدالي جيروم باول أن يقرّر الأربعاء 7 مايو ما إذا كان تثبيت الفائدة عند المستويات الحالية (4.25%‑4.50%) كافيًا لتحقيق التوازن بين هدفي البنك (محاربة انفلات التضخم مع تجنب الانكماش الاقتصادي وارتفاع البطالة).
كانت الأسواق تتوقع قبل شهر أن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض الفائدة بأكثر من 100 نقطة أساس في 2025 (100 نقطة أساس = 1%)، لكنها أصبحت تسعّر الآن خفضًا بقيمة 75 نقطة أساس فقط، فيما تراجعت احتمالات الخفض في اجتماع يونيو بعد أن تجاوزت وظائف أبريل التوقعات بإضافة 177 ألف وظيفة.
💡 توقعات خبراء أموال: كما توقعنا في الأعداد السابقة، بدأ الاقتصاد الأمريكي في الانزلاق إلى ركود اقتصادي طفيف بالفعل، ونتوقع أن يستمر تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب والحرب التجارية مع الصين على الاقتصاد الأمريكي، وبالتبعية على الأسواق العالمية، حتى نهاية 2025. في ظل استمرار التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، نتوقع هبوط مؤشر S&P 500 مرة أخرى حتى مستويات 4,650 لـ4,750 دولار. أما في حالة الوصول إلى تسوية تجارية بين الطرفين، فسيستمر صعود المؤشر إلى قمة تاريخية جديدة.
البنوك المركزية تتسابق في محاولة للحد من أثر الحرب التجارية
سبق البنك المركزي الأوروبي نظيره الأميركي عندما قرر بالإجماع خفض الفائدة 25 نقطة أساس في 17 أبريل. ويمتلك الاتحاد الأوروبي، الذي سجّل نموًا بنسبة 0.4 % في الربع الأول من 2025، هامش مناورة قبل أن تنال الحرب التجارية وصعود اليورو من قوته التصديرية. ومع اقتراب التضخم إلى حدّ كبير من الهدف (2%)، يملك صانعو السياسات في فرانكفورت مجالًا لمزيد من الخفض إذا تدهورت الظروف الاقتصادية. في بريطانيا، يُتوقع أن يحذو بنك إنجلترا حذو نظيره الأوروبي بعدما تراجع التضخم البريطاني إلى 2.6 %. يرى المتداولون فرصة شبه مؤكدة لخفض بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.25% في اجتماع الخميس المقبل.
أدّى تباين مسارات السياسات النقدية إلى استمرار الدولار الأمريكي في التذبذب قرب أدنى مستوياته في 30 شهرًا. حيث أنهى مؤشر الدولار الأسبوع مستقرًا بعد أن أوقفت مفاجأة الوظائف هبوطًا أوصل اليورو إلى 1.25 دولار، والجنيه الاسترليني إلى 1.30 دولار، حتى مع خفض الفائدة في كل من أوروبا وبريطانيا.
في آسيا، تراجع الين الياباني إلى 134 ينًا للدولار بعدما قرر بنك اليابان تثبيت الفائدة في اجتماعه يومي 30 أبريل و1 مايو. في المقابل، قفز الدولار التايواني بنسبة 5% في إشارة إلى رهان المستثمرين على انحسار السيناريوهات الأسوأ للحرب التجارية.
الصين تتذوّق مرارة الحرب التجارية
يبدو أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم دخل مرحلة "ضغط مزدوج" تتراكم فيها التداعيات الخارجية للحرب التجارية مع التباطؤ المتنامي في الاستهلاك المحلي. انكمش مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي (Manufacturing PMI) إلى 49.0، بينما تراجع مؤشر الخدمات (Services PMI) إلى 50.4، بالكاد فوق عتبة النمو. بالتوازي، بدأت مؤشرات ثقة المستهلك والائتمان تُظهر تراجعًا ملحوظًا، ما ينبّه إلى أن الصدمة لا تقتصر فقط على المصانع. كما تباطأ نمو القروض المصرفية للشهر الثالث على التوالي، في حين أظهرت استطلاعات خاصة تراجع نيات الإنفاق لدى الأسر للسلع المعمّرة. هذه النبرة القاتمة دفعت بكين إلى إطلاق حزمة دعم أولية تضم إعفاءات ضريبية وصرف أكثر من 20 مليار يوان كمنح مباشرة للمصدّرين المتضررين من الحرب التجارية، مع تسريبات عن خفض وشيك في نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك لتحرير سيولة مالية إضافية.
في ظل معاناة الاقتصاد الصيني من بوادر الأزمة، أعلنت وزارة التجارة أن "باب التفاوض مفتوح"، وأنها تُقيّم دعوة أميركية لاستئناف المحادثات بعد أسابيع من الجمود. النبرة التصالحية أنعشت الأسهم في بورصة هونغ كونغ، لكنها لم تقدِر على إنعاش مؤشّر شنغهاي الذي ظل شبه ثابت، إذ فضّلت الأموال المحلية الترقّب حتى صدور بيانات التجارة الخارجية في 9 مايو، التي ستمثل أول قراءة كاملة لتأثير التعريفات الأمريكية.
في الكواليس، يبحث صانعو القرار الصينيون خيارات ردٍّ مدروس تشمل تكثيف القيود على صادرات المعادن النادرة أو تشديد المتطلبات التنظيمية على الشركات الأميركية، كأدوات يمكن تفعيلها سريعًا إذا انهارت المحادثات. لكنهم يوازنون بين الرغبة في ردع واشنطن والحاجة لوقف نزيف الثقة، خصوصًا بعد خروج تدفقات استثمارية أجنبية بلغت خمسة مليارات دولار في أبريل، هي الأعلى منذ أزمة كورونا بحسب تقديرات البنوك عالمية.
💡 توقعات خبراء أموال: سجلّت حركة حاويات الشحن من الموانئ الصينية تراجعًا حادًا بعد تطبيق الرسوم الجمركية، مما يشير إلى احتمالات ضعف في الطلب العالمي على السلع الصناعية خلال الصيف المقبل، يتبعه تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، في حال استمرار التصعيد التجاري.
الذهب يترسّخ كدرع تحوّط رئيسي رغم فتور الموجة الصاعدة
سجل الذهب حضورًا لافتًا في بداية الأسبوع، بعدما قفز إلى مستوى قياسي فوق 3,500 دولارًا للأونصة قبل أن يتراجع إلى نحو 3,320 دولارًا. جاءت هذه القفزة مدفوعة بمخاوف من أزمة سياسية ونقدية في الولايات المتحدة، وقلق من تهديد استقلالية الفيدرالي. ومع تلاشي المخاطر الفورية بعد تراجع ترامب عن تهديد باول، خفّت أيضًا بعض موجات الطلب على الذهب. وكما أوضحنا في العدد السابق من النشرة، لا يزال مسار الذهب شديد الحساسية لتغيرات العوائد الحقيقية وظروف السيولة في الأسواق.
بعد وصوله إلى قمة تاريخية في النصف الثاني من أبريل، سجل الذهب انخفاضًا بنسبة 2.35% خلال الخمس جلسات الأخيرة. ويشير تحليل أموال إلى أن ثلاثة محرّكات متداخلة تُبقي الذهب على هذا المستوى المرتفع:
تحرك رؤوس الأموال نحو الملاذات الآمنة: تصاعد المخاوف من ركودٍ عالمي بفعل الحرب التجارية عزّز جاذبية الذهب لدى مديري الأصول الباحثين عن أداة تحوّط من التضخّم والاضطراب المالي.
ضعف الدولار: انزلاق مؤشر الدولار إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات تقريبًا خفّض السعر الفعلي للذهب للمشترين من خارج الولايات المتحدة، وفتح نافذة شراء إضافية للمصارف المركزية في آسيا والشرق الأوسط التي تضيف إلى احتياطاتها بوتيرة ثابتة.
سياسات نقدية أكثر مرونة: اقتراب الاحتياطي الفيدرالي من خفض الفائدة وبدء البنك المركزي الأوروبي دورة الخفض عزّزا الرهانات بأن العوائد الحقيقية ستظل ضئيلة أو سلبية، ما يزيد جاذبية الذهب.
💡 توقعات خبراء أموال: يستمر الذهب في موجة التصحيح التي بدأها في الأسبوع الماضي كما أشرنا في نشرتنا السابقة، ونتوقع أن يهبط السعر إلى مستويات 3,000‑3,100 دولاراً قبل نهاية مايو، يتبع ذلك ارتفاع جديد إلى مستويات 3,600-3,800 دولار في صيف 2025، قبل الهبوط مجددًا بالتوازي مع استقرار تداعيات الحرب التجارية بنهاية 2025.
الخلاصة
أظهرت الأيام التسعة الماضية قدرة السوق على التفاؤل في وجه التوترات السياسية والإشارات الاقتصادية المختلطة. ومع ذلك، لا تزال المخاطر قائمة. الغموض بشأن الرسوم الجمركية، وهشاشة البيانات الاقتصادية، واعتماد الاحتياطي الفيدرالي المكثف على البيانات تعني أن التقلبات قد تعود بسرعة. كما أن القرارات المُتخذة في واشنطن وفرانكفورت ولندن، وربما الأهم في بكين، خلال شهر مايو، ستحدد ما إذا كانت هذه الحماسة تُمهّد لانطلاقة مستدامة أو مجرّد صعود مؤقت قبل أن تهدد الحرب التجارية النمو العالمي. في الوقت الحالي، تمتلك أصول المخاطرة اليد العليا، لكن العنوان التالي في الحرب التجارية قد يُحدد ما إذا كان الأسبوعين الماضيين سيستمر أم يتحول إلى هبوط جديد.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. مازلنا في انتظار اللحظة المناسبة للاستثمار في أصول المخاطرة مرة أخرى خلال النصف الثاني من 2025، لكننا بدأنا في الانكشاف جزئيًا على الأسهم الأمريكية وبتكوين، تحسبًا لتحولٍ إيجابي في مسار الحرب التجارية.