الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تشتعل مجددًا
تصعيد أميركي-صيني يهز الأسواق، وشلل حكومة واشنطن يُضاعف حالة عدم اليقين
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
عادت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى واجهة المشهد بعد تهديد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية، ردًا على قيود بكين على صادرات المعادن النادرة. أثار هذا التصعيد المفاجئ موجة بيع حادة دفعت مؤشر S&P 500 للهبوط 2.7% يوم الجمعة، بينما انخفض Nasdaq بنسبة 3.6%، في أسوأ يوم تداول منذ أبريل الماضي.
وعلى الصعيد المحلي الأمريكي، دخل الإغلاق الحكومي أسبوعه الثاني دون بوادر حل، تاركًا 900 ألف موظف فيدرالي دون رواتب ومعطّلًا إصدار بيانات اقتصادية حيوية. أضاف هذا الشلل في واشنطن طبقة جديدة من عدم اليقين على أسواق بدأت بالفعل في استيعاب صدمة التصعيد التجاري.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف أثَّر التصعيد التجاري المفاجيء على حركة الأسواق، ونحلل احتماليات تطور الأزمة، ونناقش كذلك العوامل الرئيسية وراء استمرار الذهب في الصعود.
التصعيد الأميركي-الصيني يُعيد الحرب التجارية إلى صدارة المشهد
في تطور مفاجئ هز الأسواق يوم الجمعة 10 أكتوبر، هدد الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية اعتبارًا من أول نوفمبر. جاء ذلك ردًا على قرار بكين بتشديد القيود على تصدير المعادن النادرة الحيوية لصناعات التكنولوجيا والدفاع. جاء التهديد بعد أن سجلت الأسواق الأميركية مستويات قياسية في منتصف الأسبوع، ليتسبب في موجة بيع عنيفة محت مكاسب شهر كامل.
انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 2.7% يوم الجمعة في أسوأ أداء يومي منذ أبريل، بينما تراجع Nasdaq بنسبة 3.6%. رغم هذا الانخفاض الحاد، يحتفظ S&P 500 بمكاسب تقترب من 11% منذ بداية العام، بينما صعد Nasdaq بنحو 14% في نفس المدة. يُذكّر هذا التصعيد المستثمرين بصدمة أبريل الماضي، عندما فرض ترامب فجأة رسومًا جمركية على حلفاء ومنافسين، ما تسبب في محو 2.4 تريليون دولار من قيمة الأسهم الأمريكية. تتمحور المخاوف اليوم حول أن رسومًا بنسبة 100% على السلع الصينية ستوقف التجارة الثنائية فعليًا، والتي بلغت قيمتها أكثر من 550 مليار دولار العام الماضي.
يُحذر محللو وول ستريت من أن هذا السيناريو سيدفع التضخم للارتفاع مع ارتفاع أسعار الواردات، بينما يتباطأ النمو الاقتصادي، في سيناريو ركود تضخمي محتمل. استجابة للمخاطر، ارتفعت أسعار الملاذات الآمنة التقليدية، حيث ارتفعت أسعار سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنحو 65 نقطة أساس يوم الجمعة (0.65%)، بينما لامس الذهب مستوى 4,020 دولارًا للأونصة. في المقابل، تراجعت السلع الصناعية مثل النحاس والنفط.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن حكومة بكين قد تعلمت درس الحرب التجارية في فترة ترامب الأولى في 2017، وأن الصين اليوم على استعداد كامل لخوض حرب تجارية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. لذلك نتوقع أن يتراجع ترامب عن تهديداته خلال الأسابيع القليلة القادمة، وأن يصل الطرفان إلى اتفاق مؤقت يدفع الأسواق إلى التعافي مجددًا. ننصح المستثمرين بتجاهل عناوين الحرب التجارية المخيفة، خاصة في ظل موازنة الذهب والسندات لمخاطر الهبوط في محافظنا.
الإغلاق الحكومي الأمريكي يُعقد الأزمة ويُربك الاحتياطي الفيدرالي
دخل إغلاق الحكومة الفيدرالية الأميركية أسبوعه الثاني بحلول 12 أكتوبر، دون بوادر حل وشيك. نحو 900 ألف موظف فيدرالي إما في إجازة إجبارية أو يعملون دون أجر، بينما بقيت وكالات فيدرالية من مكتب إحصاءات العمل إلى مصلحة الضرائب مغلقة. بدأ هذا المأزق بعد فشل الكونجرس في تمرير قانون الموازنة، في مواجهة بين مجلس النواب والبيت الأبيض حول مستويات الإنفاق والبنود السياسية.
الأثر الأبرز للإغلاق حتى الآن هو غياب البيانات الاقتصادية الحيوية. لم يصدر تقرير الوظائف الحاسم لشهر سبتمبر، الذي كان مقررًا في 3 أكتوبر، تاركًا المستثمرين والاحتياطي الفيدرالي بلا تصور واضح عن حركة سوق العمل. كذلك، قد تتأخر تقارير التضخم ومبيعات التجزئة المقررة الأسبوع المقبل إذا استمرت الوكالات الإحصائية مغلقة.
على صعيد السياسة النقدية، خفَّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر، لتصبح في مستوى 4.00%-4.25%. محضر اجتماع سبتمبر كشف عن تفاؤل مجلس الفيدرالي بأنه سيستطيع خفض الفائدة مرة أخرى خلال 2025 دون إشعال التضخم مجددًا. بحسب تسعير العقود الآجلة على أسعار الفائدة، تبلغ احتمالات خفض الفائدة مرة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع 28–29 أكتوبر 98%، بينما تبلغ احتمالات خفض إضافي في ديسمبر 91%. ما يعني أن الأسواق تتوقع وصول إجمالي التيسير النقدي في 2025 إلى 100 نقطة أساس، لتصل الفائدة إلى مستويات 3.50%-3.75%.
اضطرابات سياسية عالمية تضاعف المخاطر
شهدت اليابان مفاجأة سياسية مدوية بفوز ساناي تاكايتشي بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي، لتصبح أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء. تاكايتشي، المعروفة بآرائها المحافظة المتشددة ومناصرتها للإنفاق الحكومي الموسع، انتقدت بنك اليابان لإنهائه السياسة النقدية فائقة التيسير بسرعة مفرطة. تتوقع الأسواق بعد فوز تاكايتشي استمرار اليابان في سياسة نقدية أكثر تيسيرًا وتحفيز مالي قوي. ارتفع مؤشر Nikkei 225 بنسبة 5.5% يوم الإثنين 6 أكتوبر ليتجاوز مستوى 48,000 نقطة للمرة الأولى، بينما انهار الين ليهبط أكثر من 3.7% متجاوزًا حاجز 150 ين للدولار، أضعف مستوياته منذ 2022.
وفي أوروبا، واجهت فرنسا أزمة حكومية جديدة باستقالة رئيس الوزراء إليزابيث بورن يوم 6 أكتوبر، بعد فشل الرئيس ماكرون في تمرير موازنة 2026 عبر البرلمان المنقسم. أدت هذه الأزمة السياسية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى اتساع الفجوة في عوائد السندات الفرنسية-الألمانية إلى حوالي 60 نقطة أساس، أعلى مستوياتها في أكثر من عام.
الذهب يصعد مجددًا مدفوعًا بمخاوف التصعيد التجاري
وسط هذا الاضطراب، انطلقت المعادن النفيسة إلى مستويات تاريخية جديدة، مؤكدة دورها كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين. سجل الذهب رقمًا قياسيًا يوم الأربعاء 8 أكتوبر عند 4,059.05 دولارًا للأونصة خلال التعاملات، محققًا مكاسب وصلت 55% منذ بداية العام في أفضل أداء سنوي له منذ 1979. رغم تراجعه قليلًا بنهاية الأسبوع ليستقر قرب 4,017 دولارًا، حقق الذهب أسبوعه الثامن على التوالي من المكاسب بارتفاع 3.36%.
تغذي عدة عوامل هذا الصعود التاريخي للذهب:
التحوط من التضخم: تقليديًا، يلمع الذهب عندما تظهر مخاوف التضخم. رغم أن التضخم الحالي استقر بين 2-3% في معظم الاقتصادات المتقدمة، يتطلع المستثمرون للمستقبل بعدما أشعل التصعيد التجاري المخاوف من ارتفاع جديد للأسعار في 2026 مدفوعًا بالرسوم الجمركية.
الهروب للأمان: مع استمرار الأزمات سياسية من واشنطن إلى باريس، واستمرار الحرب في أوكرانيا، ترتفع جاذبية الذهب كمخزن آمن للقيمة.
ضعف الدولار: يتحرك الذهب عادة بشكل عكسي مع الدولار الأميركي. انخفض مؤشر الدولار (DXY) حوالي 9% في 2025، وتراجع بشكل حاد على خلفية إعلان ترامب تصعيده ضد الصين (هبط 0.55% يوم الجمعة). احتمالات العجز المزدوج (مالي وتجاري) في الولايات المتحدة وتخفيضات الفيدرالي لأسعار الفائدة تدفع الدولار للهبوط ما يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب.
طلبات البنوك المركزية: تشتري البنوك المركزية حول العالم الذهب بوتيرة قياسية، حيث أضافت أكثر من 700 طن إلى احتياطياتها في الأرباع الثلاثة الأولى من 2025، وفقًا لمجلس الذهب العالمي. دول مثل الصين وروسيا وتركيا تنوّع احتياطياتها بعيدًا عن الدولار الأميركي نحو الذهب في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وانحسار العولمة التجارية.
💡 توقعات خبراء أموال: كما توقعنا في الأعداد السابقة، وصل الذهب للمستويات المستهدفة بين 3,950 إلى 4,100 دولارًا هذا الأسبوع. نتوقع أن يتحرك الذهب دون مستوى 4,100 دولارًا للأونصة خلال الأسابيع القليلة القادمة، قبل أن يواجه ضغوطًا تدفعه للهبوط إلى مستويات 3,700-3,800 دولار خلال شهر نوفمبر، خاصة في حالة تراجع ترامب عن تصعيده ضد الصين. تشير تحليلات أموال الأولية إلى وصول سعر الذهب إلى قمة تاريخية جديدة في مارس-أبريل 2026، متجاوزًا 4,400-4,600 دولارًا للأونصة.
بيتكوين ينخفض إلى 110,000 دولار متأثرًا بالحرب التجارية
فشل بتكوين في الاضطلاع بدوره كـ”ذهب رقمي” خلال موجة النفور من المخاطر هذا الأسبوع. حيث انخفضت العملة الرقمية الرائدة بنحو 8.5% إلى حوالي 110,000 دولار بنهاية الأسبوع، متراجعة من مستويات 126,000 دولار التي لامستها يوم 6 أكتوبر الماضي. وبدلًا من الاستفادة من الاضطرابات كما فعل الذهب، تحرك بتكوين جنبًا إلى جنب مع الأسهم، منخفضًا بقوة يوم الجمعة مع انهيار المؤشرات.
وعلى الرغم من هذا الأداء المخيب، تحافظ العملات الرقمية على بعض الدعم الهيكلي. حيث تستمر التدفقات المؤسسية إلى صناديق بتكوين المتداولة (ETFs)، حيث وصلت إجمالي الأصول تحت الإدارة إلى 150 مليار دولار. كما أن توقعات انخفاض أسعار الفائدة والسيولة الوفيرة تميل لدعم العملات الرقمية على المدى المتوسط.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يصل بتكوين إلى مستويات 165,000 إلى 225,000 دولار بنهاية الدورة الحالية، بعد مرور فترة عدم اليقين الحالية. تبقى العملة الرقمية الرائدة استثمارًا استراتيجيًا في محافظنا، لكننا ننصح بالحذر من التقلبات قصيرة المدى.
الخلاصة
تواجه الأسواق العالمية اليوم مجموعة من التحديات: عودة الحرب التجارية، والإغلاق الحكومي الأمريكي، والاضطرابات السياسية في أوروبا واليابان. يخلق هذا المزيج المعقد من المخاطر بيئة استثمارية شديدة التقلب، حيث يتأرجح المستثمرون بين الخوف والطمع. يبرز الذهب كفائز أكبر، مؤكدًا دوره كملاذ آمن تقليدي في أوقات الأزمات. وفي المقابل، تواجه الأسهم تحديًا معقدًا، فخفض الفائدة يدعم تقييمات الأسهم، لكن ضعف النمو والحرب التجارية يهددان الأرباح.
يحمل الأسبوع القادم (12-19 أكتوبر) عدة أحداث قد تحدد اتجاه الأسواق:
البيانات الاقتصادية الأمريكية: إذا انتهى الإغلاق الحكومي، ستصدر بيانات التضخم الأساسية لسبتمبر (14 أكتوبر) ومؤشر أسعار المنتجين (15 أكتوبر). تقع توقعات التضخم الأساسي حاليًا عند 3.6% سنويًا، وأي مفاجأة قد تحرك الأسواق بقوة.
موسم الأرباح المصرفية: تقارير البنوك الكبرى (JPMorgan Chase وCitigroup وWells Fargo يوم 14 أكتوبر) ستلقي الضوء على القدرة الاستهلاكية في الولايات المتحدة.
البيانات الصينية: إعلان الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث (18 أكتوبر) مع توقعات نمو 4.4-4.5% سنويًا. أي نتيجة أقل من 4% قد تثير مخاوف المستثمرين وتدفع للمزيد من التحفيز.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.