الأسواق العالمية تسير بخطىً ثابتة نحو المزيد من الصعود
الذهب والفضة يحلّقان لمستويات قياسية، بينما يصارع بتكوين للحاق بركب الأسواق
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
شهد الأسبوع الأخير من الربع الثالث لعام 2025 تقلبات متصاعدة في الأسواق المالية العالمية، حيث تأرجحت المؤشرات الرئيسية بين تسجيل قمم تاريخية جديدة وموجات بيع حادة، في مشهد يعكس حالة الترقب والحذر التي تسيطر على المستثمرين. سجّلت مؤشرات وول ستريت الرئيسية مستويات قياسية منتصف الأسبوع، مدفوعة بقرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى في 2025، قبل أن تتراجع بحدة نهاية الأسبوع جراء صدمة جديدة في بيانات سوق العمل الأمريكي.
في تطور لافت، حطّم الذهب حاجزًا تاريخيًا جديدًا متجاوزًا 3,790 دولارًا للأونصة، بينما قفزت الفضة إلى أعلى مستوياتها في 14 عامًا عند 46 دولارًا، في إشارة واضحة على تزايد الطلب على الملاذات الآمنة. وفي الوقت نفسه، يتحرك بتكوين في نطاق ضيق حول 110,000 دولار، متخلفًا بشكل ملحوظ عن أداء المعادن النفيسة.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تفاعلت الأسواق المختلفة مع قرار الفيدرالي، ونحلل الدوافع وراء الصعود القياسي للمعادن النفيسة، مع تسليط الضوء على المخاطر الكامنة في المشهد الاستثماري في الربع الأخير من 2025.
أسواق الأسهم تواجه تحديًا معقدًا
رغم تسجيل المؤشرات الأمريكية لقمم تاريخية في بداية الأسبوع، حيث لامس مؤشر S&P 500 مستوى 6,700 نقطة، إلا أن الأسبوع انتهى بتراجع طفيف بنسبة 0.3%. هذا التذبذب يعكس الصراع الدائر حاليًا بين التفاؤل بشأن خفض الفائدة من جهة، والقلق من تباطؤ النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
واصل القطاع التقني قيادة المكاسب، حيث سجل مؤشر Nasdaq مستوى قياسيًا عند 24,765 نقطة رغم تراجعه 0.5% بنهاية الأسبوع. شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل Nvidia وMicrosoft تستمر في جذب الاستثمارات الضخمة، مع توقعات بأن يصل الإنفاق على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي إلى مستويات قياسية في 2026.
في المقابل، عانى قطاع الطاقة من أسوأ أداء أسبوعي رغم ارتفاع أسعار النفط 3.9% إلى 69.3 دولارًا للبرميل. التناقض بين ارتفاع أسعار النفط وتراجع أسهم الطاقة يشير إلى مخاوف المستثمرين من ضعف الطلب على المدى الطويل في حالة تباطؤ النشاط الاقتصادي.
في المقابل، أظهرت الأسواق الأوروبية مرونة نسبية، حيث استقر مؤشر STOXX 600 حول مستوى 554 نقطة وسط آمال بأن يتبع البنك المركزي الأوروبي خطى الفيدرالي في التيسير النقدي. لكن التحديات الهيكلية تبقى قائمة، خاصة مع استمرار أزمة الاقتصاد الألماني.
السياسة المالية الأمريكية: لغز الخزانة المستمر
تواصل الخزانة الأمريكية استراتيجيتها المثيرة للجدل بالاعتماد المفرط على أذون الخزانة قصيرة الأجل (التي تمثل الآن 20% من الدين العام) بدلاً من السندات طويلة الأجل. هذه الاستراتيجية، التي يصفها البعض بـ”التيسير الخفي”، تساعد في إبقاء عوائد السندات طويلة الأجل منخفضة نسبيًا رغم العجز الضخم.
وفي تطور لافت، أعلن وزير الخزانة سكوت بيسنت عن خطة إنقاذ غير مسبوقة للأرجنتين تتضمن “خط مبادلة عملة” بقيمة 20 مليار دولار وشراء سندات أرجنتينية. هذا الإجراء، الذي عادة ما يقوم به الاحتياطي الفيدرالي وليس الخزانة، لم يحدث منذ أزمة 2008 المالية عندما تدخل الفيدرالي لشراء ديون البنوك المركزية حول العالم.
التوقيت مثير للاهتمام، حيث يأتي قبل الانتخابات التشريعية الأرجنتينية في محاولة واضحة لدعم الرئيس اليميني خافيير ميلي، حليف ترامب. المفارقة أن الأرجنتين، التي كانت يومًا دولة غنية، تحولت إلى مختبر لفشل سياسات صندوق النقد الدولي، حيث يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر رغم القروض المتتالية (أكثر من 12 مليار دولار من الصندوق و4 مليارات من البنك الدولي).
يُضاعِف هذا التدخل من المخاطر على الخزانة الأمريكية، حيث تقترب نسبة الدين إلى الناتج المحلي من مستويات قياسية، والاعتماد على التمويل قصير الأجل يجعل الحكومة عرضة لصدمات أسعار الفائدة، والآن تُضاف مخاطر جديدة من التدخلات السياسية الخارجية المكلفة ماليًا.
الذهب والفضة يسرقان الأضواء بارتفاعات قياسية
شهد هذا الأسبوع صعودًا تاريخيًا جديدًا للمعادن النفيسة، حيث وصل الذهب إلى مستوى قياسي جديد عند 3,790 دولارًا للأونصة يوم 23 سبتمبر، محققًا مكاسب تزيد عن 13.8% في الربع الثالث من 2025. يأتي هذا الصعود المستمر مدفوعًا بعوامل متعددة أبرزها:
أولاً: مشتريات البنوك المركزية القياسية التي تجاوزت 1,000 طن سنويًا منذ 2022، في أكبر موجة تراكم في التاريخ الحديث. البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، تسعى لتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي كاحتياطي، خاصة بعد تجميد الأصول الروسية عقب غزو أوكرانيا.
ثانيًا: انخفاض العوائد الحقيقية على السندات الأمريكية مع توقعات خفض الفائدة، مما يجعل الذهب، الذي لا يُدر عائدًا، أكثر جاذبية للمستثمرين.
ثالثًا: المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، من التوترات في الشرق الأوسط إلى الحرب المستمرة في أوكرانيا، تدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
أما الفضة فقد قفزت إلى 46 دولارًا للأونصة، أعلى مستوى منذ 2011، بمكاسب تجاوزت 59% منذ يناير. يقف وراء هذا الارتفاع الكبير عجز حاد في المعروض من الفضة في الأسواق، حيث يفوق الطلب الصناعي (خاصة من قطاعات الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية) الإنتاج من المناجم بشكل كبير.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع استمرار قوة المعادن النفيسة حتى نهاية 2025. الذهب قد يختبر مستويات 3,900-4,050 دولارًا، بينما تستهدف الفضة اختراق حاجز 50 دولارًا.
بتكوين يفقد بريقه مؤقتًا
في تطور لافت، تخلّف أداء البتكوين بشكل ملحوظ عن المعادن النفيسة هذا الأسبوع، حيث انخفض إلى مستويات 109,000 في نهاية الأسبوع رغم تخطيه مستويات 117,000 دولارًا في وقت سابق هذا الشهر. هذا الأداء الباهت نسبيًا، مقارنة بصعود الذهب والفضة، يثير تساؤلات حول دور العملة الرقمية كـ”ذهب رقمي”. في المقابل، مازال إيثيريوم يدور حول مستويات 4,000 دولار، مدعومًا بانخفاض أرصدة البورصات الرقمية إلى أدنى مستوى في 9 سنوات، حيث يسحب المستثمرون عملاتهم للتخزين في إشارة على الثقة طويلة المدى. وفي نفس الإطار، تستمر التدفقات المؤسسية حيث تضيف صناديق الاستثمار المتداولة لبتكوين وإيثيريوم مليارات الدولارات أسبوعيًا.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يستمر بتكوين في التماسك حول مستويات 108-115 ألف دولار خلال الأسابيع القادمة، مع احتمال اختراق حاجز 120 ألف دولار في أكتوبر. على المدى الطويل، نرى أن سعر بتكوين في دورة الصعود الحالية قد يصل إلى 165-225 ألف دولار، لكن التقلبات الحادة ستبقى السمة المميزة.
الخلاصة
تدخل الأسواق الربع الأخير من 2025 متأرجحة بين بدء الدعم القوي الذي توفره دورة التيسير النقدي الأمريكية لأصول المخاطرة، والمخاوف المتصاعدة من تصحيح وشيك بفعل ضعف سوق العمل والتوترات الجيوسياسية. يبرز الذهب كالفائز الأكبر حتى الآن، مستفيدًا من مزيج من العوامل الداعمة. تحتاج الأسهم لبيانات اقتصادية قوية ووضوح سياسي لاستئناف الصعود. بينما تنتظر العملات الرقمية تسارع وتيرة التيسير النقدي.
أخبار وبيانات تستحق المتابعة خلال الأسبوع القادم (28 سبتمبر - 5 أكتوبر):
الإثنين 30 سبتمبر: الموعد النهائي لتمويل الحكومة الأمريكية. فشل الكونجرس في التوصل لاتفاق قد يؤدي إلى إغلاق حكومي جزئي، مما سيضيف مزيدًا من عدم اليقين للأسواق.
الثلاثاء 1 أكتوبر: بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعية في كلٍ من الولايات المتحدة والصين. أي مفاجأة سلبية قد تعزز مخاوف التباطؤ الاقتصادي.
الأربعاء 2 أكتوبر: خطاب جيروم باول في مؤتمر كليفلاند. ستبحث الأسواق عن إشارات حول وتيرة خفض الفائدة المستقبلية.
الخميس 3 أكتوبر: قرار البنك المركزي الأوروبي وخطاب كريستين لاغارد. توقعات بإبقاء الفائدة ثابتة مع تلميحات محتملة لخفض قادم.
الجمعة 4 أكتوبر: تقرير الوظائف الأمريكي لشهر سبتمبر. تشير التوقعات لإضافة 150 ألف وظيفة، لكن أي مفاجأة قد تحرك الأسواق بقوة.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع استمرار التقلبات في الأسبوع القادم مع ميل للارتفاع في أصول المخاطرة إذا تم تجنب الإغلاق الحكومي وجاءت البيانات الاقتصادية متماسكة. سيستمر الذهب في التذبذب قبل استئناف الصعود، بينما قد تواجه الأسهم ضغوطًا مؤقتة من جني الأرباح في الأسبوع الأخير من سبتمبر.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.
This is very comprehensive and insightful. What a great work!