وول ستريت تسجل أرقامًا قياسية رغم الإغلاق الحكومي
التضخم الأمريكي يتراجع والفيدرالي يستعد لخفض الفائدة، بينما يتأرجح الذهب بين قمم تاريخية وتصحيحات حادة
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
واصلت الأسهم الأمريكية هذا الأسبوع تسجيل قمم تاريخية جديدة متجاهلة شلل الحكومة الفيدرالية وضبابية المشهد الاقتصادي. قفز مؤشر S&P 500 بنحو 1.9% ليلامس مستوى 6,800 نقطة، بينما أغلق مؤشر Dow Jones الصناعي فوق مستوى 47,000 نقطة للمرة الأولى في تاريخه، محققًا مكاسب أسبوعية بنحو 2.2%. يأتي هذا الصعود مدفوعًا بتراجع التضخم الأمريكي إلى 3.0% وتزايد التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
في المقابل، شهد الذهب أسبوعًا دراميًا بامتياز، حيث انطلق إلى قمة تاريخية جديدة عند 4,381 دولارًا للأونصة يوم الاثنين، قبل أن ينهار بنسبة 5.3% في يوم واحد ليستقر حول مستوى 4,113 دولار بنهاية الأسبوع.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تمكنت الأسواق من الصعود رغم استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي، ونحلل الدوافع وراء التقلبات الحادة في أسعار الذهب، مع تسليط الضوء على التطورات الجيوسياسية المرتقبة.
التضخم الأمريكي يتراجع والفيدرالي يستعد لخفض الفائدة
انخفض مؤشر أسعار المستهلك (CPI) إلى 3.0% على أساس سنوي، أقل من التوقعات البالغة 3.1%، في إشارة واضحة إلى استمرار تراجع الضغوط التضخمية. جاء نشر التقرير متأخرًا بنحو 9 أيام بسبب الإغلاق الحكومي الذي أوقف عمليات مكتب إحصاءات العمل، حيث تم استدعاء الموظفين مؤقتًا لضمان إصدار بيانات التضخم الضرورية لحساب تعديلات الضمان الاجتماعي، وكذلك ليستطيع الفيدرالي تقييم الموقف الاقتصادي قبل اجتماعه المرتقب.
على الرغم من ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 4.1% على أساس شهري، فإن الصورة الأشمل تشير إلى أن التضخم الأمريكي ظل مستقرًا حول 3% لأكثر من عام، بعيدًا كثيرًا عن ذروته في 2022 ومقتربًا تدريجيًا من هدف الفيدرالي عند 2%. عزز هذا التحسن قناعة الأسواق بأن الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر يوم 29 أكتوبر، حيث تسعّر العقود الآجلة احتمالية 100% لخفضٍ بمقدار 25 نقطة أساس.
تفاعلت الأسواق بحماس مع هذه الأنباء. حيث قفز مؤشر S&P 500 بنحو 1% في يوم صدور بيانات التضخم، مخترقًا حاجز 6,800 نقطة، بينما حقق مؤشر Nasdaq مكاسب بنسبة 2.2% خلال الأسبوع مدفوعًا بارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة. ويراهن المستثمرون على أن “التيسير النقدي سيدعم أرباح الشركات”، إذ أن انخفاض أسعار الفائدة يقلل من معدلات الخصم التي تستخدم في حساب تقييمات الأسهم ويحفز النمو الاقتصادي.
في سوق السندات، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بشكل حاد بعد بيانات التضخم المطمئنة. تراجع عائد السندات لأجل عامين (الأكثر حساسية لسياسة الفيدرالي) إلى نحو 3.5%، أقل مستوى منذ أوائل 2024، بينما انخفض عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى نطاق 4.0% من حوالي 4.4% في الأسبوع السابق، مما يعكس التوقعات بأن التضخم وأسعار الفائدة قد بلغا ذروتهما.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر، يليه خفض آخر في ديسمبر. تدعم هذه القرارات الأسهم والذهب على المدى القريب، لكننا نراقب عن كثب أي إشارات على عودة التضخم للارتفاع بفعل الرسوم الجمركية الجديدة. ومع استمرار ضعف سوق العمل وتراجع التضخم، نرى أن الفائدة قد تصل إلى 3.25% بحلول منتصف 2026.
الإغلاق الحكومي يدخل أسبوعه الرابع دون حل في الأفق
يواصل الإغلاق الحكومي الفيدرالي تعطيل العمليات الحكومية، إذ دخل أسبوعه الرابع دون بوادر حل وشيك. بدأ الإغلاق في الأول من أكتوبر بعد فشل الكونجرس في الاتفاق على مشاريع قوانين الإنفاق، مما أدى إلى إجازة إجبارية لنحو 900,000 موظف فيدرالي وتعليق العديد من الخدمات الحكومية. هذا الإغلاق، الذي يقترب من مدة الإغلاق القياسي البالغة 34 يومًا في 2018-2019، يؤخر البيانات الاقتصادية ويُثير المخاوف بشأن تأثيره على النمو الاقتصادي.
أدى الإغلاق إلى تأخير نشر تقارير اقتصادية حيوية، بما في ذلك بيانات التجارة والإسكان، وقد يؤدي استمراره إلى عدم نشر تقرير الوظائف الأمريكي لشهر أكتوبر وبيانات التضخم في نوفمبر في موعدها المحدد، مما يحجب رؤية الفيدرالي للاقتصاد. كما أن هناك تكاليف اقتصادية فعلية، فالمقاولون الحكوميون لا يتلقون رواتبهم، والإنفاق الفيدرالي متوقف، وثقة المستهلك تميل للانخفاض خلال الإغلاقات الطويلة. تُقدر بعض التقديرات أن الإغلاق يقتطع نحو 0.1-0.2% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من السنة عن كل أسبوع من الإغلاق.
حتى الآن، تعاملت الأسواق مع الإغلاق بهدوء، مفترضةً حلًا نهائيًا قريبًا. لكن إذا استمر الإغلاق حتى أواخر نوفمبر، فقد يؤثر سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي خلال موسم الأعياد، والذي يدعم أرباح الشركات مع انتهاء العام. وقد حذرت وكالات التصنيف الائتماني من أن النزاعات الحكومية المتكررة تُشكل خطرًا سلبيًا على الجدارة الائتمانية الأمريكية.
آمال التهدئة تلوح في الأفق مع تحسن العلاقات التجارية الأمريكية-الصينية
بعد سنوات من الحرب التجارية المتقطعة، تتحرك الولايات المتحدة والصين تدريجيًا نحو هدنة محتملة. التقى مفاوضون من البلدين هذا الأسبوع في كوالالمبور على هامش قمة آسيان، ممهدين الطريق لاجتماع رفيع المستوى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني تشي جين بينج في 30 أكتوبر في كوريا الجنوبية. وصف الرئيس ترامب المحادثات في كوالالمبور بأنها “ناجحة” وقال إنه “واثق من التوصل إلى صفقة” عندما يلتقي بتشي.
تهدف المناقشات إلى تخفيف التصعيد في الحرب التجارية التي كلفت الاقتصادين الكثير. تشمل القضايا الرئيسية: الرسوم الجمركية والامتثال للمرحلة الأولى من الاتفاق، حيث أطلقت الولايات المتحدة للتو تحقيقًا جمركيًا جديدًا بشأن “الفشل الظاهر” للصين في الوفاء بالتزامات اتفاق المرحلة الأولى لعام 2020. قد تتضمن أي اتفاقية قادمة زيادة الصين لمشترياتها من السلع الأمريكية (المنتجات الزراعية والطاقة) للوفاء بتلك الشروط، مقابل تعليق الولايات المتحدة للرسوم الجمركية الجديدة.
كان رد فعل الأسواق فوريًا وإيجابيًا. تفوقت الأسهم الأوروبية على نظيراتها الأمريكية، مدفوعة بالتفاؤل بأن عبء الحرب على المعنويات وأسعار الطاقة قد يخف قريبًا. مجرد احتمال التهدئة رفع معنويات السوق، خاصة في آسيا، حيث قفزت مؤشرات هونج كونج وشنغهاي وكوريا الجنوبية على أمل التهدئة.
الذهب يواجه تصحيحًا حادًا بعد الصعود التاريخي
بدأ الذهب الأسبوع بقفزة قوية نحو قمة تاريخية جديدة عند 4,381 دولارًا للأونصة يوم الاثنين، مدفوعًا باستمرار تدفقات الملاذ الآمن، وتوقعات خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة (مما يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب)، والزخم القوي حيث اضطر المتداولون الذين راهنوا على انخفاض الذهب إلى إغلاق مراكزهم. ارتفعت الفضة والبلاتين أيضًا جنبًا إلى جنب مع الذهب في بداية الأسبوع.
لكن بحلول يوم الثلاثاء، انعكس المسار الصاعد بشكل درامي. حيث هوى الذهب بنسبة 5.3% يوم الثلاثاء إلى حوالي 4,150 دولار، وواصل خسائره في منتصف الأسبوع، مقتربًا من مستويات 4,000 دولار يوم الأربعاء. بحلول يوم الجمعة، استقر الذهب حول 4,113 دولارًا للأونصة، منخفضًا بأكثر من 6% عن قمته التاريخية.
ارتفاع الذهب بشكل شبه عمودي في الأسابيع الماضية، صاعدًا بأكثر من 15% في شهر واحد، جعله عرضة للتصحيح. في وقت متأخر من يوم الاثنين، وحتى مع وصول السعر إلى قمة جديدة، أظهرت بيانات سوق الخيارات أن أحجام عقود الشراء بدأت في الانخفاض رغم استمرار الأسعار في الارتفاع، ما يشير إلى بدء بعض اللاعبين الكبار في السوق في جني الأرباح.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن التصحيح الحالي صحي وضروري بعد الارتفاع الحاد. نتوقع أن يجد الذهب دعمًا قويًا في نطاق 3,800-4,030 دولار خلال منتصف إلى أواخر نوفمبر. على المدى الطويل، نستهدف موجة صعود جديدة قد تدفع الذهب إلى 4,900-5,200 دولار في مارس-أبريل 2026، بما يتماشى مع دورة التيسير النقدي التي بدأها الفيدرالي واحتمال تجدد الطلب على الملاذ الآمن إذا استمرت المخاطر الجيوسياسية.
الخلاصة
تدخل الأسواق العالمية الأسبوع الأخير من أكتوبر في حالة من التفاؤل الحذر، مدعومة بتراجع التضخم وتوقعات التيسير النقدي وآمال تحسن العلاقات التجارية الدولية. نجحت الأسهم في تجاهل الإغلاق الحكومي الأمريكي والتقلبات الجيوسياسية، محققة قممًا تاريخية جديدة. في المقابل، شهد الذهب تصحيحًا صحيًا بعد ارتفاع حاد، بينما يستعد لموجة صعود جديدة مدعومة بالتيسير النقدي العالمي.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
اجتماع الاحتياطي الفيدرالي (29-30 أكتوبر): الحدث الأبرز، حيث من المتوقع خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. سيركز المستثمرون على إرشادات باول بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية.
قمة ترامب-تشي (30 أكتوبر): قد يُحدد هذا اللقاء مسار العلاقات التجارية الأمريكية-الصينية للعام المقبل. أي اتفاق ملموس سيدفع الأسواق الآسيوية للصعود.
نتائج شركات التكنولوجيا العملاقة: ستصدر بيانات الأرباح من أبل ومايكروسوفت وأمازون وميتا، والتي ستكون حاسمة في تحديد اتجاه أسهم التكنولوجيا.
البيانات الاقتصادية الصينية: ستصدر بيانات مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في 1 نوفمبر، مما سيكشف عن قوة الانتعاش الصيني.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.



