الذهب يحلّق نحو مستويات قياسية
تدهور سوق العمل يضع الفيدرالي في مأزق، والأسواق تترقب قرار 17 سبتمبر
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
كشفت بيانات التوظيف الأمريكية هذا الأسبوع عن تدهور غير متوقع في سوق العمل. حيث تمت إضافة 20 ألف وظيفة فقط، أقل من ربع التوقعات، مع المزيد من المراجعات السلبية التي بلغت 258 ألف وظيفة للشهرين السابقين، في أكبر صدمة لسوق العمل منذ جائحة كورونا. وبذلك، بعد شهور من التكهنات حول توقيت خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة، جاء تقرير الوظائف لشهر أغسطس ليضع حدًا نهائيًا للجدل.
ارتفع مؤشر S&P 500 في البداية على أمل التيسير النقدي الوشيك، قبل أن يتراجع في نهاية الأسبوع وسط مخاوف من أن ضعف سوق العمل قد ينذر بركود وشيك. في المقابل، قفز الذهب بأكثر من 4% ليسجل أعلى مستوياته على الإطلاق مقتربًا من 3,600 دولارًا للأونصة.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع كيف تؤثر صدمة سوق العمل على مختلف الأصول، ونحلل لماذا يواجه الفيدرالي الآن خيارًا حاسمًا بين خفض عادي بمقدار 25 نقطة أساس أو خفض استثنائي بمقدار 50 نقطة في اجتماع 17 سبتمبر المرتقب.
استمرار التدهور في سوق العمل الأمريكي
جاءت بيانات التوظيف لشهر أغسطس بمثابة صدمة جديدة للاقتصاد الأمريكي. الاقتصاد الذي كان يُفترض أن يضيف 75 ألف وظيفة على الأقل، أضاف 20 ألف وظيفة فقط، في أضعف أداء منذ أكثر من أربع سنوات. لكن الصدمة الحقيقية كانت في المراجعات الهائلة للأشهر السابقة، حيث تم تخفيض أرقام يونيو ويوليو بمقدار 258 ألف وظيفة، لتكشف أن سوق العمل كان في حالة تدهور منذ أشهر دون أن يدرك أحد.
ارتفع معدل البطالة إلى 3.8%، وتباطأ نمو الأجور إلى 4.1% سنويًا. الأكثر إثارة للقلق هو أن التوظيف في القطاع الخاص شبه متوقف، بينما القطاع الحكومي يحاول يائسًا سد الفجوة. هذا الاعتماد المتزايد على الوظائف الحكومية، يُذكّرنا بفترات الركود السابقة عندما يصبح القطاع العام الملاذ الأخير للتوظيف.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن سوق العمل الأمريكي دخل مرحلة انكماش هيكلي قد يستمر حتى منتصف 2026. المراجعات الضخمة تشير إلى أن البيانات الرسمية كانت تُخفي الحقيقة لأشهر، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول مصداقية الإحصاءات الحكومية، خاصة بعد إقالة إدارة ترامب لرئيس مكتب إحصاءات العمل.
السوق على يقين من خفض الفائدة في سبتمبر، لكن إلى أي مدى؟
يواجه جيروم باول ومجلس الاحتياطي الفيدرالي قرارًا مصيريًا في اجتماع 17 سبتمبر. الأسواق، التي كانت تتوقع خفضًا روتينيًا بمقدار 25 نقطة أساس، بدأت تُسعّر احتمالية متزايدة لخفض استثنائي بمقدار 50 نقطة. حيث تمنح العقود الآجلة الآن احتمالية 100% لخفض في سبتمبر، مع جدل محتدم حول الحجم المناسب.
الحجة لصالح خفضًا بمقدار 50 نقطة قوية: سوق العمل ينهار، والتضخم لا يشكل خطرًا، والمؤشرات الاقتصادية الاستباقية كلها تشير إلى تباطؤ حاد. كما أن هناك سابقة تاريخية، الفيدرالي غالبًا ما يبدأ دورات التيسير بخفض كبير عندما تتدهور الأوضاع بسرعة. الداعون إلى خفض بمقدار 50 نقطة يجادلون بأن الفيدرالي "متأخر بالفعل" وأن خفضًا كهذا سيمثل تعويضًا عن التأخير السابق.
في المقابل، يحذر بعض المحللين من أن خفضًا كبيرًا قد يُثير الذعر في الأسواق، مُرسلًا إشارة بأن الفيدرالي يرى مخاطر أكبر مما يُعلن عنه. كما أن التضخم، رغم تراجعه، مازال فوق المستهدف عند 2%، والرسوم الجمركية التي ما زالت سارية قد تُعيد إشعال الضغوط السعرية.
الانقسام داخل الفيدرالي واضح. كريستوفر والر وميشيل باومان، اللذان صوتا لصالح خفض الفائدة في يوليو، يقودان المعسكر الداعي لتحرك سريع. في المقابل، باول نفسه يبدو أكثر حذرًا، مُفضلًا الانتظار لرؤية المزيد من البيانات قبل اتخاذ خطوة جذرية.
💡 توقعات خبراء أموال: نرجح بنسبة 60% أن يختار الفيدرالي الطريق الآمن بخفض 25 نقطة أساس في سبتمبر، مع إشارات قوية لخفوض إضافية في الاجتماعات القادمة. باول، المعروف بحذره، سيفضل تجنب صدمة السوق بخفض كبير. لكن إذا جاءت بيانات التضخم لشهر أغسطس (المقرر صدورها في 11 سبتمبر) أقل من التوقعات بشكل ملحوظ، قد يتشجع الفيدرالي على خفض 50 نقطة، خاصة مع الضغوط السياسية من إدارة ترامب.
الذهب يسجل أرقامًا قياسية
استمر الذهب في صعوده القياسي هذا الأسبوع، مقتربًا من حاجز 3,600 دولارًا للأونصة في تداولات الجمعة، قبل أن يستقر حول مستوى 3,385 دولارًا. العوامل الداعمة للسعر تدفعه للاستمرار في الصعود: انخفاض عوائد السندات الأمريكية، وضعف الدولار، وتوقعات خفض الفائدة، والطلب القوي من البنوك المركزية.
انخفاض عوائد السندات الأمريكية بحوالي 15 نقطة أساس خلال الأسبوع الماضي كان الحافز المباشر لقفزة الذهب. عندما تنخفض العوائد بهذه السرعة، خاصة عوائد السندات قصيرة الأجل، فإنها تُرسل إشارة واضحة بأن السوق يتوقع تحركًا عاجلًا وربما كبيرًا من الفيدرالي. يصبح الذهب، الذي لا يُدر عائدًا، أكثر جاذبية عندما تنخفض تكلفة الفرصة البديلة.
💡 توقعات خبراء أموال: كنا قد أشرنا في أعداد سابقة من هذه النشرة في أبريل الماضي إلى أننا نتوقع وصول الذهب إلى مستويات 3,600 دولارًا في صيف 2025. نتوقع أن يستمر الذهب في الصعود نحو مستوى 3,740 دولارًا خلال أسبوعين. مع بدء موجة خفض الفائدة، نتوقع أن يتحرك سعر الذهب نحو مستويات 3,900 إلى 4,050 دولارًا بحلول نوفمبر القادم. العامل الحاسم في تحديد الحد الأقصى لسعر الذهب في 2025 سيكون مدى عمق دورة التيسير النقدي القادمة، كل خفض إضافي للفائدة بمقدار 25 نقطة قد يضيف 50-75 دولارًا لسعر الذهب.
الخلاصة
نقف اليوم أمام لحظة فاصلة في تاريخ الأسواق المالية الحديثة. انهيار سوق العمل الأمريكي المفاجئ أجبر الفيدرالي على التخلي عن موقفه المتشدد والاستعداد لدورة تيسير قد تكون أسرع وأعمق مما كان متوقعًا. وسيكون لهذا التحول له عدة تداعيات:
أولاً: عصر أسعار الفائدة المرتفعة الذي بدأ في 2022 يقترب من نهايته. الفيدرالي، الذي كان يتحدث عن "فائدة أعلى لفترة أطول"، يستعد الآن لخفوض متتالية قد تعيد الفائدة إلى ما دون 3% بحلول منتصف 2026.
ثانياً: الذهب يدخل مرحلة صعود تاريخية. مع انهيار العوائد الحقيقية وضعف الدولار، لا يوجد ما يمنع سعر الذهب من الوصول إلى 4,000 دولار وربما أبعد.
ثالثاً: الأسهم تواجه تحديًا معقدًا. من جهة، خفض الفائدة يدعم التقييمات، خاصة لشركات النمو والتكنولوجيا. من جهة أخرى، ضعف الاقتصاد يهدد الأرباح.
رابعاً: التضخم قد يعود بقوة. دورة التيسير العالمية المنسقة، مع استمرار التوترات الجيوسياسية والتجارية، قد تؤدي إلى موجة تضخمية جديدة قد تكون أشد من سابقتها.
ما يجب مراقبته خلال الأيام القادمة:
تقرير التضخم الأمريكي (11 سبتمبر): القراءة الأخيرة قبل اجتماع الفيدرالي. أي مفاجأة سلبية قد تدفع الفيدرالي لخفض 50 نقطة.
اجتماع البنك المركزي الأوروبي (14 سبتمبر): هل ستنضم أوروبا لموجة التيسير أم ستنتظر؟
مزادات الخزانة الأمريكية: 50 مليار دولار من سندات 3 سنوات، 42 مليار من 10 سنوات، و24 مليار من 30 سنة. اختبار حقيقي للطلب على الدين الأمريكي.
بيانات الائتمان الصينية: مؤشر على فعالية جهود التحفيز الصينية.
💡 في أموال، نحتفظ بموقف إيجابي حذر. نزيد من مراكزنا في الذهب وأسهم التقنية عالية الجودة، مع الاحتفاظ بسيولة كافية للاستفادة من أي تقلبات قادمة. الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد اتجاه الأسواق للسنوات المقبلة، والمستثمر الذكي هو من يستعد للسيناريوهات المختلفة دون الرهان على نتيجة واحدة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.