الفيدرالي يبدأ دورة التيسير النقدي وسط قلق من تباطؤ الاقتصاد
أول خفض للفائدة في 2025 يدفع الأسهم والذهب لمستويات قياسية، بينما يُصعد ترامب الحرب على العمالة الأجنبية
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
شهدت الأسواق العالمية هذا الأسبوع لحظة مفصلية مع إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أول خفض لأسعار الفائدة في عام 2025، ما أشعل موجة صعود واسعة عبر الأصول الاستثمارية المختلفة. خفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس كما كان متوقعًا، لكن التطور الأبرز جاء من توقعات أعضاء اللجنة التي أشارت إلى مسار تيسير أبطأ مما كانت تأمله الأسواق.
رغم ذلك، احتفت الأسواق الأمريكية بالقرار حيث حققت مؤشرات وول ستريت مستويات قياسية جديدة. كما سجل الذهب أرقامًا قياسية تاريخية متجاوزاً 3,700 دولارًا للأونصة، مستفيدًا من تراجع العوائد الحقيقية وضعف الدولار.
في المشهد السياسي، صعَّد الرئيس ترامب من حربه على العمالة الأجنبية برفع رسوم تأشيرات H-1B إلى 100 ألف دولار، في خطوة تستهدف شركات التكنولوجيا التي تعتمد بكثافة على المواهب الأجنبية. يضيف هذا التطور طبقة جديدة من التعقيد للمشهد الاقتصادي الأمريكي.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع تفاصيل قرار الفيدرالي وتداعياته، مع تحليل معمق لأداء الأصول المختلفة ونظرة على ما يحمله المستقبل القريب.
الفيدرالي يبدأ دورة التيسير النقدي بخفض الفائدة 25 نقطة أساس
أنهى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يوم 17 سبتمبر جدلًا استمر لأشهر حول موعد أول خفض لأسعار الفائدة، حيث قرر خفضها بمقدار 25 نقطة أساس لتصبح 4.25%. جاء القرار بالإجماع تقريبًا مع اعتراض عضو واحد فضل خفضًا أكبر بـ50 نقطة، مما يؤكد الحذر السائد داخل اللجنة.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت في التوقعات الاقتصادية المحدثة التي كشفت عن مسار أبطأ للتيسير النقدي مما كانت تتوقعه الأسواق. أشارت توقعات الفيدرالي، التي تصدر كل ثلاثة أشهر، إلى خفض إضافي واحد فقط خلال العام الحالي (25 نقطة أساس)، مقارنة بتوقعات السوق لخفض الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس إضافية. ما يعني أن الفيدرالي يتوقع انتهاء العام عند مستوى 4.00% مقارنة بتوقعات السوق عند 3.50%.
في مؤتمره الصحفي، اعترف رئيس الفيدرالي جيروم باول بأن سوق العمل "ليس بالقوة التي كنا نظن"، مشيرًا إلى المراجعات الأخيرة التي أظهرت إضافة 20 ألف وظيفة شهريًا فقط في الأشهر الأخيرة مقارنة بـ150 ألف في بداية العام. كما أشار إلى أن معدل البطالة الحالي عند 4.3% يعكس ضعفًا حقيقيًا في سوق العمل.
على صعيد التضخم، وصف باول الارتفاع الحالي في الأسعار بأنه "زيادة لمرة واحدة" نتيجة للرسوم الجمركية وليس بداية لموجة تضخم جديدة، مما يشير إلى استعداد الفيدرالي للتسامح مع تضخم أعلى من المستهدف مؤقتًا. هذا التحليل يدعم الحجة القائلة بأن التركيز ينصب الآن على دعم النمو والعمالة.
💡 توقعات خبراء أموال: رغم الحذر الظاهري، نتوقع أن يضطر الفيدرالي لتسريع وتيرة التيسير إذا استمرت بيانات سوق العمل في التدهور. التوقعات المحافظة قد تكون مناورة سياسية لإدارة توقعات السوق. نتوقع خفضين إضافيين بنهاية العام ليصل المعدل إلى 3.75%.
البنوك المركزية العالمية تتخذ مسارات متباينة
بينما بدأ الفيدرالي دورة التيسير، اتخذت البنوك المركزية الأخرى مسارات متباينة تعكس الظروف الاقتصادية المختلفة. أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثابتة عند 2.00% في اجتماع 11 سبتمبر، مع إشارات من رئيسة البنك كريستين لاغارد إلى أن منطقة اليورو "في وضع جيد". يبدو أن البنك المركزي الأوروبي قارب نهاية دورة التيسير، حيث أشارت الأسواق إلى احتمالية 40% فقط لخفض إضافي بحلول ربيع 2026.
في المملكة المتحدة، أبقى بنك إنجلترا معدل الفائدة عند 4.00% بتصويت 7-2، مع استمرار تركيز البنك على محاربة التضخم الذي يبلغ حاليًا 3.8%. أشار محافظ البنك أندرو بيلي إلى ضرورة التعامل مع الضغوط التضخمية المستمرة، مما يشير إلى نهج حذر في التيسير النقدي في المستقبل.
تقدم اليابان صورة مختلفة تمامًا، حيث يواجه بنك اليابان وضعًا نادرًا بارتفاع التضخم فوق المستهدف لأول مرة منذ عقود. لم يرفع البنك أسعار الفائدة في اجتماعه الأخير، لكن عضوين صوتا لصالح الرفع، مما يشير إلى تزايد الضغوط للتحرك قريبًا. كما أعلن البنك عن خطة لبيع جزء من حيازاته الضخمة من الأسهم بقيمة 2.4 مليار دولار سنويًا، في إشارة رمزية لإنهاء عصر التيسير النقدي.
في الصين، قرر البنك المركزي عدم الانضمام لموجة التيسير رغم ضعف البيانات الاقتصادية. أبقى بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة ثابتة، مفضلاً الانتظار لرؤية تأثير الإجراءات التحفيزية السابقة. يبدو أن بكين تحاول تحقيق توازن دقيق بين دعم النمو وتجنب خروج أسعار الأصول عن السيطرة.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يؤدي هذا التباين في السياسات النقدية إلى استمرار ضعف الدولار مقابل الين مع تزايد توقعات رفع الفائدة اليابانية، بينما قد يستقر اليورو مع توقف التيسير النقدي الأوروبي.
الذهب يستمر في الصعود متجاوزًا 3,700 دولار
استمر الذهب في الصعود هذا الأسبوع متخطيًا مستوى 3,700 دولار، قبل أن يتراجع مؤقتًا في نهاية الأسبوع ويستقر حول 3,684 دولار. يمثل هذا الارتفاع مكاسب تقترب من 42% منذ بداية العام.
ساهمت عدة عوامل في هذا الصعود التاريخي. أولها انخفاض العوائد الحقيقية على السندات الأمريكية. ثانياً، ضعف الدولار الأمريكي الذي فقد 1.2% من قيمته مقابل سلة العملات الرئيسية في بداية الأسبوع، قبل أن يعوض بعضًا من خسائره عقب قرار الفيدرالي. العامل الثالث هو الطلب القوي من البنوك المركزية، خاصة الصينية والروسية، كجزء من استراتيجية تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار.
كما شهدت أسواق العقود الآجلة نشاطًا استثنائيًا، حيث ارتفعت نسبة عقود الشراء (call options) إلى أعلى مستوياتها في عامين، مما يشير إلى توقعات صعود إضافي. يواجه الذهب الآن مقاومة قوية عند مستوى 3,700 دولار، لكن اختراق هذا المستوى بإغلاق يومي قد يفتح الطريق نحو 3,750 دولار كهدف قريب المدى.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع استمرار قوة الذهب خلال الربع الأخير من 2025. كل خفض إضافي للفائدة الأمريكية بـ25 نقطة أساس قد يضيف 50-75 دولارًا لسعر الذهب. نستهدف مستويات 3,750-3,900 دولار بحلول نهاية العام، مع احتمالية تخطي 4,000 دولار إذا تسارعت وتيرة التيسير النقدي أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية.
ترامب يصعد الحرب على العمالة الأجنبية
في خطوة مثيرة للجدل، رفعت إدارة ترامب رسوم تأشيرات H-1B للعمالة الماهرة من بضعة آلاف دولار حاليًا إلى 100 ألف دولار، في زيادة تتجاوز 2,000%. تستهدف هذه الخطوة بشكل مباشر شركات التكنولوجيا التي تعتمد بكثافة على المواهب الأجنبية، خاصة الهندية.
تأتي هذه الخطوة في إطار أجندة "أمريكا أولًا" الاقتصادية لترامب، وتمثل فعليًا "رسمًا جمركية على العمالة المستوردة" كما وصفها محللون. الهدف المعلن هو تشجيع توظيف العمالة الأمريكية من خلال جعل استقدام المواهب الأجنبية مكلفًا للغاية.
ردت شركات التكنولوجيا بحذر على هذا القرار، حيث أكدت أن هذه التأشيرات ضرورية للابتكار والقدرة التنافسية. لكن حتى الآن، لم تتأثر أسهم التكنولوجيا سلبيًا، بل استفادت من الأخبار الإيجابية الأخرى كقرار الفيدرالي بخفض الفائدة.
الخلاصة
كان الخبر الأبرز هذا الأسبوع هو قرار الفيدرالي ببدء دورة تيسير نقدي جديدة قد تستمر خلال العام المقبل. رغم الحذر الظاهري من الفيدرالي، فإن الأسواق تراهن على تسارع وتيرة التيسير مع تدهور بيانات سوق العمل.
النتائج واضحة: الأسهم تحقق مستويات قياسية، الذهب يحطم كل الأرقام، والعملات الرقمية تستعيد زخمها. لكن هذا التفاؤل العام يأتي وسط تحديات حقيقية: الاقتصاد الأمريكي يظهر علامات تباطؤ، أوروبا تعاني من أزمات سياسية ومالية، والصين تحاول إدارة توازن دقيق بين النمو والاستقرار.
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت هذه البداية لدورة صعود طويلة المدى أم مجرد انتعاش مؤقت. المؤشرات الاقتصادية القادمة، خاصة بيانات سوق العمل الأمريكي، ستحدد وتيرة التيسير النقدي وبالتالي مستقبل الأسواق.
💡 في أموال، نحافظ الآن على موقف متوازن مع ميل نحو المخاطرة. نوصي بزيادة تدريجية في الذهب مع كل تأكيد من الفيدرالي على التيسير النقدي، والاحتفاظ بمراكز انتقائية في أسهم التكنولوجيا عالية الجودة مع تجنب المضاربة المفرطة. تبقى العملة الرقمية الرائدة بتكوين استثمارًا استراتيجيًا في محافظنا، لكننا ننصح بالحذر من التقلبات قصيرة المدى.