الأسواق تسير على الحافة
استقرار أرباح الشركات وتيسير البنوك المركزية يرفع المعنويات، لكن عجز الموازنة الأميركية وتباطؤ الاقتصاد الصيني يضعان النصف الثاني من 2025 على المحك
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
أغلق المستثمرون العالميون تعاملات مايو وهم يوازنون بحذر بين عودة النزاعات التجارية واستمرار التضخم في الانخفاض. فقد أعادت تهديدات الولايات المتحدة التجارية تجاه الصين، إلى جانب مناوشاتها مع أوروبا، تذكير المستثمرين بأن التوترات التجارية يمكنها هز الأسواق في أي لحظة. ومع ذلك، تمكّنت مؤشرات الأسهم الرئيسة في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان من تحقيق مكاسب جيدة، مدعومة بأرباح قياسية لعمالقة التكنولوجيا وأدنى قراءة للتضخم منذ سنوات.
لمَّحت محاضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في مايو إلى أن أسعار السلع قد تعود للارتفاع مرة أخرى بسبب السياسة التجارية ما قد يدفع التضخم للصعود، في حين عبّر بعض الأعضاء عن قلقهم بسبب مزيج مقلق من ارتفاع العوائد على السندات الأمريكية وتراجع الدولار، فيما يوحي بفقدان الدولار الأمريكي لميزته الأساسية كملاذ آمن.
أنهى مؤشّر S&P500 تعاملاته هذا الأسبوع مرتفعًا حوالي 1.8%، محققًا أفضل أداء شهري منذ أواخر 2023، متأثرًا باقتراب التضخم من المستويات التي يستهدفها الاحتياطي الفيدرالي (2%). في المقابل، يبقى السؤال المحوري: هل ستُشعل سياسة ترامب التجارية شرارة التضخم مجددًا في اللحظة التي يتباطأ فيها النمو الاقتصادي؟
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والذهب، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
الدولار الأمريكي في خطر
بعد تمرير قانون الإنفاق العام الأمريكي المعروف بإسم "The One Big Beautiful Bill"، والذي تقدر قيمته بخمسة تريليون دولار، تستعد الخزانة الأمريكية لطرح أكثر من 2.1 تريليون دولار من السندات خلال 2025، في وقتٍ يتقلص فيه حساب الخزانة الأمريكية لدى الاحتياطي الفيدرالي (Treasury General Account - TGA). في المقابل، انخفضت حصة المستثمرين الأجانب من الدَّين الأميركي إلى 24% فقط، بينما تُقيّد قواعد الاحتياطي الفيدرالي قدرة البنوك المحلية الأمريكية على تحمّل مخاطر إضافية بعد كارثة انهيار بنك "سيليكون فالي" في مارس 2023. سيؤدي ذلك إلى انتقال عبء استيعاب المعروض من السندات إلى صناديق الاستثمار والأفراد، ما سيدفع عوائد السندات طويلة الأجل إلى الارتفاع من جديد.
الوجه الآخَر لهذا التوسع الكبير في الإنفاق هو ارتفاع فاتورة دعم الدين، التي اقتربت بالفعل من حاجز التريليون دولار سنويًا، ما يُهدد بانزلاق الولايات المتحدة إلى أزمة ديْن، خاصةً إذا ما استمر الاقتصاد في التباطؤ مدفوعًا بسياسات ترامب التجارية. أمام صناع القرار في الولايات المتحدة الآن ثلاثة اختيارات: إما التحول إلى تقشّف مالي قاسٍ، أو تدخل سياسي وقانوني يجبر المؤسسات الاستثمارية على شراء السندات الحكومية، أو عودة الاحتياطي الفيدرالي إلى سياسة التيسير الكمي (شراء الفيدرالي للسندات) ما يدفع الدولار إلى الهبوط ويعيد مخاطر التضخم إلى الواجهة، وهو الاحتمال الأكبر في ظل الاستقطاب السياسي. في كل الحالات، سيفقد الدولار الأمريكي تدريجيًا ميزته الأساسية كملاذٍ آمن.
💡 توقعات خبراء أموال: مازال المستثمرون يتحركون بحذر في الأسواق في انتظار البيانات المختلفة في يونيو. إذا لم تُظهِر البيانات الاقتصادية أيّ ضعف هيكلي خلال صيف 2025، وإذا استمرت الهدنة التجارية بشكلها الحالي، فالأرجح أن تستمر الأسهم في الارتفاع حتى أغسطس على الأقل. ومع إقرار حزمة الإنفاق الأمريكية، فقد نشهد موجة صعود ثانية تدفع الأسهم إلى مستويات تاريخية جديدة أعلى من 6,150 دولار. لكن إذا وصلت العوائد الحقيقية للسندات طويلة الأجل إلى مستويات 2.85%–3%، مدفوعة بالأزمة التي ناقشناها في الفقرة السابقة، حينها يجب التخارج بالكامل من أصول المخاطرة، والاحتماء بالملاذات الآمنة التقليدية (الذهب) حتى يتدخل الفيدرالي بخفض الفائدة.
المركزي الأوروبي يستمر في خفض الفائدة لدعم الاقتصاد الهش
مع بقاء معدل التضخم في منطقة اليورو قريبًا من 2%، واحتمال دخول الاقتصاد في حالة انكماش، تميل توقعات المستثمرين إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيقرر خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 5 يونيو المقبل، للمرة السابعة على التوالي. وقد استبقت عوائد السندات الألمانية القرار فتراجعت بالفعل إلى 2.2%. وتواجه كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، موقفًا صعبًا، إذ يتعيّن عليها إظهار الثقة في السيطرة على التضخم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على هامش مناورة كافٍ في حال احتدمت حربٌ تجاريةٌ مزدوجة مع الولايات المتحدة والصين.
على صعيد سوق الأسهم، ارتفع مؤشر STOXX600 بمقدار 0.7% بعدما رحّب المتعاملون بتأجيل واشنطن زيادة الرسوم على واردات الاتحاد الأوروبي، لكن الانكماش المفاجئ لمبيعات التجزئة في ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، بمقدار 1.1% ذكّر الجميع بمدى هشاشة الاقتصاد الأوروبي في الوقت الراهن.
الاقتصاد الصيني يتخبط متأثرًا بالأزمة التجارية
ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعية Manufacturing PMI في بكين إلى 49.5، مستقرًا دون مستوى الـ50 الفاصل بين النمو والانكماش. مع استمرار التوتر التجاري مع الولايات المتحدة في الهيمنة على المشهد المالي والنقدي في الصين، واستمرار التضخم في مستويات قريبة من 0%، سارع المستثمرون إلى سحب السيولة من الأسواق الصينية، فتراجع مؤشر Hang Sang بمقدار 2% ليصبح الأضعف أداءًا بين المؤشرات الرئيسية هذا الأسبوع.
مازالت الأسواق الصينية تترقب دعمًا وشيكًا من السلطات المالية والنقدية في بكين، ربما خفضًا لنسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي في البنوك أو حزمة دعم مالي موجهة لقطاعات بعينها، ولكن يظل صُناع القرار حذرين من إعادة إشعال دوامّة الديون التي كانت قد سيطرت عليها الصين من قبل خلال عامي 2021 و2022. في هذه الأثناء اتهمت واشنطن بكين بالتراجع عن بعض بنود الاتفاق التجاري المؤقت الذي أبرمه الطرفان في نهاية أبريل الماضي، ما أثار تهديدات صينية باتّخاذ إجراءات مضادة، في تصعيد قد يهدد الهدوء التجاري المؤقت بين أكبر اقتصادين في العالم، وأدى إلى انزلاق اليوان نحو مستويات 7.20 مقابل الدولار.
لا جديد في حركة سعر الذهب
يتحرك الذهب منذ بداية مايو في نطاقٍ ضيق يستهدف هبوطًا إلى 3,220 دولارًا للأونصة خلال الأيام القادمة، ما يضع السعر داخل منطقة الدعم الرئيسية بين 3,195 و3,235 دولارًا. أي كسرٍ محتمل لهذا النطاق قد يفتح الطريق إلى مستوى دعم ثانوي بين 3,100 و3,150 دولارًا خلال منتصف إلى أواخر يونيو. تؤكّد سوق الخيارات Options Market هذا السيناريو، إذ تقع نقطة التوازن لعقود يوليو عند مستوى 3,195 دولارًا، بينما يُظهر اتساع نسبة عقود البيع إلى الشراء أن مراكز التحوّط ضد هبوط الأسعار ما زالت تتفوّق على رهانات الصعود. فيما تُشير طلبات تسليم العقود لشهر يونيو إلى فتورٍ مؤقت في الطلب الفعلي على الذهب.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يهبط السعر إلى مستويات 3,080‑3,150 دولارًا خلال يونيو، يتبع ذلك ارتفاعًا جديدًا إلى مستويات 3,550-3,650 دولارًا بنهاية صيف 2025 (أغسطس إلى منتصف أكتوبر)، قبل الهبوط مجددًا دون مستويات 2,900 دولار بنهاية العام بالتوازي مع استقرار تداعيات الحرب التجارية.
الخلاصة
اهتزت الأسس التي استند إليها صعود الأسواق في مايو—تباطؤ التضخم الأميركي، واستمرار الثقة في أرباح شركات التكنولوجيا، وتوقعات بتيسير نقدي عالمي—وتعرضت لاختبار حقيقي خلال الأسبوع الأول من يونيو. ومع عودة التوترات التجارية، ولو بشكل طفيف، وتذبذب البيانات الاقتصادية، قد يكتشف المستثمرون أن المسار الأسهل لم يعد صعودًا بخط مستقيم كما كان الحال في مايو.
ما يجب مراقبته هذا الأسبوع:
قرار البنك المركزي الأوروبي (5 يونيو) — خفض ربع نقطة مئوية شبه محسوم، الأهم هو الإشارة إلى نوايا البنك في اجتماع سبتمبر.
الوظائف الأميركية غير الزراعية (6 يونيو) — قراءة دون 150 ألف وظيفة ستعزز رهانات خفض الفائدة في سبتمبر، أما تجاوز 250 ألفًا فقد يدفع عوائد السندات إلى الارتفاع مرة أخرى فوق مستويات 4.6%.
اجتماع أوبك+ (2 يونيو) — خفض إضافي لإنتاج النفط قد ينتشل الأسعار من أدنى مستوياتها في عدة أشهر، ويُعقّد حسابات التضخم لدى البنوك المركزية.
مؤشر المشتريات الصناعية وبيانات التجارة الصينية (3 و7 يونيو) — أي دلائل جديدة على الانكماش ستزيد الضغوط لدعم الاقتصاد وتختبر الحد الأدنى غير المعلن لليوان الذي يسمح به البنك المركزي الصيني.
بيانات الأجور اليابانية (6 يونيو) — ارتفاع إضافي بنسبة 3% قد يُعيد فتح النقاش حول إنهاء سياسة التحكم في العائد على السندات ما قد يدفع اليوان إلى الصعود ويؤثر على مضاربات Carry Trade بين اليوان والعملات الأخرى التي تتخطى قيمتها 2 تريليون دولار أمريكي.
كل عام وأنتم بخير، عيد سعيد
ستتوقف نشرة أموال خلال الأسبوعين المقبلين بمناسبة عطلة عيد الأضحى، على أن يُستأنف الإصدار مباشرة بعد انتهاء العطلة. انتظروا العدد القادم يوم 22 يونيو.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. بدأنا في مطلع مايو في الانكشاف جزئيًا على الأسهم الأمريكية وبتكوين، تحسبًا لتحولٍ إيجابي في مسار الحرب التجارية، ورفعنا نسبة المحافظ من أصول المخاطرة تدريجيًا خلال مايو مع ارتفاع شهية المخاطرة في السوق.