الأسواق العالمية تتراجع من قممها التاريخية في ظل الإغلاق في واشنطن
الإغلاق الحكومي الأطول في التاريخ يُعمق حالة عدم اليقين، والأسهم تواجه تصحيحًا حادًا
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
انتهت موجة الصعود التي استمرت ثلاثة أسابيع في الأسواق الأمريكية بتراجع حاد خلال الأسبوع، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 2.8% من قمته التاريخية المسجلة في 28 أكتوبر. وكان القطاع التكنولوجي الأكثر تضررًا، إذ هوى مؤشر Nasdaq بنحو 3% في أسوأ أداء أسبوعي له منذ أبريل الماضي، مع تصاعد المخاوف من “فقاعة الذكاء الاصطناعي” والتقييمات المبالغ فيها.
يأتي هذا التراجع في وقت يدخل فيه الإغلاق الحكومي الأمريكي أسبوعه السادس، ليصبح الأطول في التاريخ. أدى هذا الشلل السياسي إلى توقف كامل لإصدار البيانات الاقتصادية الرسمية، تاركًا المستثمرين والاحتياطي الفيدرالي بلا دليل واضح على الأداء الاقتصادي.
في المقابل، وفّرت أسواق الملاذات الآمنة بعض العزاء، حيث تراجعت عوائد السندات الأمريكية من أعلى مستوياتها في سنوات، بينما استقر الذهب قرب مستويات 4,000 دولارًا للأونصة.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تفاعلت الأصول المختلفة مع التطورات الأخيرة، ونناقش توقعاتنا للذهب وبتكوين.
الأسهم الأمريكية تواجه تصحيحًا حادًا وسط مخاوف التقييمات
شهدت الأسواق الأمريكية انعطافًا حادًا هذا الأسبوع، حيث تحولت من تسجيل قمم تاريخية جديدة إلى موجة بيع قوية. انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 1.6%، في حين تكبد مؤشر Nasdaq الذي تغلب عليه أسهم التكنولوجيا خسائر أكبر تخطت 3%. كما تراجع مؤشر MSCI World العالمي بنحو 2.7% خلال الأسبوع.
قاد قطاع التكنولوجيا التراجع، حيث تعرضت أسهم الذكاء الاصطناعي التي قادت الصعود خلال 2025 لموجة جني أرباح حادة، مع تجدد المخاوف من التقييمات المبالغ فيها. فقد شهدت أسهم الحوسبة السحابية وشركات أشباه الموصلات انخفاضات حادة بعد مكاسب ضخمة منذ بداية العام.
يحاول المستثمرون الآن تحديد ما إذا كان هذا مجرد تصحيح صحي بعد موجة صعود قوية، أم بداية لتراجع أعمق. يشير بعض المحللين إلى أن ضعف بيانات سوق العمل وارتفاع التكاليف (الرسوم الجمركية والأجور) يهددان أرباح الشركات. في المقابل، يرى آخرون أن موسم أرباح الربع الثالث كان استثنائيًا، حيث تجاوزت أكثر من 80% من الشركات التوقعات، ما يجعل التراجع الحالي فرصة شراء. على مستوى القطاعات، تفوقت الأسهم الدفاعية (المرافق والسلع الاستهلاكية الأساسية) خلال الأسبوع، بينما تخلفت الأسهم الدورية والتكنولوجية، في تحول نموذجي ابتعادًا على المخاطرة. كذلك تراجعت الأسهم الأوروبية بنحو 2% على خلفية الأرباح المخيبة للآمال والمخاوف المتجددة من الرسوم الجمركية الأمريكية.
💡 توقعات خبراء أموال: التراجع الأخير في الأسهم طبيعي بعد موجة الصعود القوية. إذا استمر ضعف البيانات الاقتصادية أو ظهرت علامات على تباطؤ قطاع الذكاء الاصطناعي، قد تواجه الأسهم مزيدًا من الضغوط. في المقابل، أي حل لأزمة الإغلاق الحكومي أو إشارات واضحة من الفيدرالي بشأن مسار الفائدة في 2026 قد تُجدد الزخم الإيجابي.
الإغلاق الحكومي يُعطّل البيانات ويُربك الفيدرالي
دخل الإغلاق الحكومي الأمريكي أسبوعه السادس (40 يومًا)، ليصبح الأطول في التاريخ. تعثرت المفاوضات بين الكونجرس والبيت الأبيض حول خلافات الموازنة، بما في ذلك مستويات الإنفاق وأمن الحدود. تعددت التداعيات الاقتصادية للشلل في واشنطن: مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين دون رواتب، انخفاض الإنفاق الاستهلاكي في المناطق ذات التركيز العالي للموظفين الفيدراليين، والأهم توقف تام لإصدار البيانات الاقتصادية الرسمية.
لم يُنشر تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر أكتوبر، مُجبرًا المستثمرين والاحتياطي الفيدرالي على الاعتماد على مؤشرات بديلة. أشارت البيانات الخاصة هذا الأسبوع إلى صورة متباينة لسوق العمل، حيث قدّرت شركة ADP نمو متواضع لسوق العمل في أكتوبر بمقدار 42 ألف وظيفة فقط، بينما أعلنت Challenger عن قفزة كبيرة في أرقام تسريح العمالة، حيث تم فصل أكثر من 153 ألف موظف من وظائفهم في أكتوبر، في أعلى مستوى منذ أكثر من 20 عامًا. قدّر نموذج الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أن معدل البطالة ارتفع على الأرجح إلى حوالي 5%.
في المقابل، بقيت بعض المؤشرات مرنة، مثل طلبات إعانة البطالة الأسبوعية التي لم تتغير كثيرًا، وبيانات الإنفاق الداخلية لـ Bank of America التي أظهرت اتجاهات مستقرة. لكن معنويات المستهلكين تدهورت بشكل حاد، حيث انخفض مؤشر جامعة ميشيغان الأولي لشهر نوڤبر إلى 50.3، أدنى مستوى منذ منتصف 2022.
من المرجح تأخير أو إلغاء إصدار بيانات التضخم لشهر أكتوبر، المقرر الأسبوع المقبل، إذا استمر الإغلاق الحكومي. يُكثف هذا الغياب الكامل للبيانات الرسمية حالة عدم اليقين حول الوضع الحقيقي للاقتصاد، في وقت يناقش فيه الفيدرالي تحركاته القادمة.
الاحتياطي الفيدرالي على مفترق طرق حاسم
يواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة معقدة، منقسمًا بشأن تحركه التالي وسط إشارات متضاربة من الأسواق وغياب البيانات الاقتصادية. في اجتماع 29 أكتوبر، خفض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي، لكن رئيس الفيدرالي جيروم باول اتخذ نبرة حذرة في مؤتمره الصحفي، مشددًا على أن خفضًا آخر في ديسمبر “ليس مؤكدًا” ويعتمد على تطور الاقتصاد. فاجأ هذا الموقف المتشدد الأسواق التي كانت قد سعّرت بالكامل تقريبًا خفضًا في ديسمبر قبل تصريحات باول. بحلول نهاية الأسبوع، وضعت العقود الآجلة احتمالية خفض ديسمبر عند حوالي 65% فقط.
يُعقد الإغلاق الحكومي المستمر مهمة الفيدرالي. ويبدو أن مسؤولو الفيدرالي منقسمين، إذ يجادل المتحمسون للتيسير بأن تباطؤ نمو الوظائف وتراجع التضخم يبرران مزيدًا من الخفض قريبًا، بينما يشعر آخرون بالقلق من أن الأوضاع المالية ليست متشددة بما يكفي ويفضلون التوقف، خاصة في غياب البيانات.
من الجدير بالذكر أن مخاوف الاستقرار المالي بدأت تتسلل إلى حسابات الفيدرالي. في تقرير الاستقرار المالي الأخير، حذر موظفو الفيدرالي من ارتفاع تقييمات الأصول عبر جميع الفئات، الأسهم، وسندات الشركات، والعقارات، وحتى الأراضي الزراعية، ما يُنذر بفقاعة استثمارية شاملة. ما يعني أن الفيدرالي يرى أن الأوضاع المالية فضفاضة بما يكفي لتجنب التباطؤ الاقتصادي رغم الزيادات السابقة في الفائدة، ما قد يجعله أكثر ترددًا في التيسير بقوة.
من جهة أخرى، أكد الفيدرالي أنه سينهي التشديد الكمي (QT) في 1 ديسمبر، موقفًا عمليات بيع سندات الخزانة ومنهيًا انكماش ميزانيته. كما أشار باول إلى أن الفيدرالي سيحتاج في النهاية إلى زيادة الاحتياطيات مجددًا (ضخ الأموال في الاقتصاد) للحفاظ على معدلات تمويل صحية للنظام المصرفي.
💡 توقعات خبراء أموال: رسالة الفيدرالي مختلطة نوعًا ما، خفض الفائدة على المدى القريب محتمل لكنه غير مؤكد، بينما تتجه التوقعات متوسطة الأجل نحو المزيد من التيسير النقدي (خفض الفائدة وضخ السيولة النقدية في الاقتصاد) خلال 2026. نراقب بحذر تقرير التضخم (إذا صدر) قبل اجتماع الفيدرالي في 17 ديسمبر، فهو سيحدد القرار النهائي.
بتكوين يواجه اختبارًا حاسمًا عند 100 ألف دولار
دخل سوق العملات الرقمية في مرحلة تصحيح حاد هذا الأسبوع، مستمرًا في التراجع الذي بدأ في أكتوبر. حيث هبط بيتكوين إلى حوالي 100,000 دولار، التي تُعد منطقة الدعم الحرجة، كما ذكرناها في عدد سابق. ونرى في أموال أن فشل بتكوين في الصعود فوق مستويات 105,000 دولار على المدى القصير سيؤدي على الأرجح إلى الهبوط إلى مستويات 90,000 إلى 100,000 دولار في نوڤمبر. يُعتبر مستوى 90,000 دولار هو مستوى الدعم الأهم لسعر بتكوين في الوقت الحالي لأنه يُساوي تقريبًا تكلفة إنتاج بتكوين ( تكلفة الطاقة + تكلفة التشغيل) التي تتكبدها شركات التعدين، وهو مستوى دائمًا ما يوفّر أرضية سعرية صلبة للشراء (في المقابل، تكلفة الطاقة الكهربائية الحالية للتعدين حوالي 71,000 دولار، وغالبًا ما يمثل هذا المستوى قاعًا مطلقًا خلال عمليات البيع الحادة).
التطور الرئيسي خلال الأسابيع الأخيرة هو أن المؤسسات الاستثمارية العملاقة تحولت إلى بائعين صافين لبتكوين. كانت التدفقات المؤسسية، التي تمثل الحيازات والمعاملات المجمعة لصناديق بتكوين (ETFs) وحيازات الشركات، تمثل قوة رئيسية تدفع صعود بتكوين خلال الأشهر الستة الماضية. لكن يبدو أن هذا المد قد انعكس، وأصبحت تلك المؤسسات رسميًا بائعين صافين، وذلك وفقًا لتحليل خبراء أموال.
💡 توقعات خبراء أموال: تشير أنظمة أموال التي يعتمد عليها خبراؤنا في تحليل السوق واتخاذ القرارات الاستثمارية إلى ضرورة التخارج بالكامل من بتكوين حتى تتضح الصورة خلال الأسابيع القادمة. يعلق المتفائلون آمالهم على العوامل الداعمة للسعر في 2026 (تيسير الفيدرالي، وعودة السيولة)، في المقابل، يشير المتشائمون إلى أن تحول المؤسسات من الشراء إلى البيع إشارة واضحة للنفور من المخاطرة لا ينبغي تجاهلها. في الوقت الحالي، نراقب في أموال مستوى 105,000 دولار الذي إذا نجح بتكوين في استعادته سريعًا قد يؤدي إلى موجة شراء لتغطية مراكز البيع المتراكمة. في المقابل، الفشل في التماسك فوق مستوى 100,000 دولار سيؤدي إلى المزيد من الهبوط كما أشرنا سابقًا.
الذهب يستعد لتصحيح قصير الأجل قبل استئناف الصعود
تداول الذهب في نطاق ضيق حول 4,000 دولارًا للأونصة معظم الأسبوع. وكما أسلفنا في العدد السابق، ينتظر الذهب تحديًا كبيرًا مع دخول عقود الخيارات الخاصة بشهر ديسمبر حيز التداول، حيث تتخطى قيمتها حاليًا 1.64 مليار دولار، أي أكثر من ضعف حجم عقود نوفمبر التي ساهمت في الانخفاض الأخير للسعر. إذا أثرت عقود ديسمبر على حركة السعر بشكل مشابه لعقود نوڤمبر، فإن ذلك يعني انخفاض سعر الذهب إلى نطاق 3,750-3,850 دولارًا للأونصة، قبل الارتفاع مرة أخرى في بداية 2026.
💡 توقعات خبراء أموال: سيوفر التصحيح المتوقع في النصف الثاني من نوڤمبر فرصة شراء ممتازة للمستثمرين طويلي المدى. حيث نتوقع أن يصل الذهب إلى مستويات قياسية جديدة في بداية 2026، تمهيدًا للوصول إلى مستويات 4,900-5,200 دولار في مارس-أبريل 2026.
الخلاصة
التراجع الحاد للأسواق من القمم التاريخية، مقترنًا بأطول إغلاق حكومي في التاريخ الأمريكي، يضع المستثمرين في حالة من عدم اليقين. ويظل الاحتياطي الفيدرالي منقسمًا حول تحركه التالي في ظل توقف البيانات. في المقابل ارتفعت أسعار السندات واستقر الذهب مؤقتًا، بينما يستعد بتكوين لاختبار حاسم عند 100 ألف دولار.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
إمكانية إعادة تشغيل الحكومة الأمريكية: تتجه كل الأنظار إلى واشنطن مع تصاعد الضغط لإنهاء الإغلاق الحكومي. إذا تم تمرير قانون التمويل الأسبوع المقبل (كما توحي احتمالات أسواق المراهنات)، فسيتم إعادة تشغيل الحكومة الفيدرالية فورًا وإصدار البيانات الاقتصادية تباعًا. ستطلق عملية إعادة التشغيل أيضًا الإنفاق الحكومي المؤجل، ما سيوفر دفعة مؤقتة للاستهلاك.
البيانات الاقتصادية (إذا توفرت): في الظروف العادية، سيكون الأسبوع المقبل مكتظًا بالبيانات. من المقرر إصدار تقرير التضخم لشهر أكتوبر (الثلاثاء 13 نوفمبر)، ومؤشر أسعار المنتجين (14 نوفمبر)، ومبيعات التجزئة (14 نوفمبر). إذا بقيت الحكومة مغلقة، ستُؤجل هذه الإصدارات إلى أجل غير مسمى.
تصريحات البنوك المركزية: من المقرر أن يتحدث عدة مسؤولين في الفيدرالي في فعاليات مختلفة، أي تلميحات حول اجتماع ديسمبر (خفض أم تثبيت للفائدة) ستحرك الأسواق. عبر المحيط الأطلنطي، تلقي رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد خطابًا في منتصف الأسبوع، قد تعلق على بيانات منطقة اليورو لكن من المحتمل أن تلتزم بنص التوقف المعتمد على البيانات.
بيانات اقتصادية عالمية: من المقرر أن تصدر بضع اقتصاديات كبرى أرقام الناتج المحلي والتضخم. يصدر الناتج المحلي الإجمالي الأولي للربع الثالث في المملكة المتحدة في 12 نوفمبر، وتشير التوقعات إلى توقف النمو الاقتصادي بالكامل في الربع الأخير، لذا أي مفاجأة ستؤثر على الإسترليني والسندات الحكومية. في آسيا، تصدر بيانات نشاط الاقتصادي الصيني لشهر أكتوبر (الإنتاج الصناعي، مبيعات التجزئة، الاستثمار في الأصول الثابتة) في 15 نوفمبر.
يقف المستثمرون اليوم عند مفترق طرق. وستكون الأسابيع القادمة حاسمة في تحديد ما إذا كان التراجع الأخير مجرد استراحة مؤقتة قبل استئناف الصعود. في أموال، مازالت محافظنا منكشفة بشكل كامل على الأسهم الأمريكية والذهب، ونراقب بشكل مستمر تطورات السياسات النقدية والتجارية لتحديد نقاط الضعف المحتملة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات.



