الفيدرالي يخفض الفائدة لكنه يحذّر من ضبابية المشهد الاقتصادي
الأسواق العالمية تواصل الصعود للشهر السابع، والذهب يستمر في التباطؤ
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
واصلت الأسواق المالية العالمية مسيرتها الصاعدة خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر، محققة بذلك الشهر السابع على التوالي من المكاسب في أطول موجة صعود منذ 2021. لكن هذا الأداء القوي جاء وسط تطورات متناقضة، حيث خفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة كما كان متوقعًا، لكن نبرة رئيسه جيروم باول المتشددة فاجأت الأسواق ودفعت عوائد السندات للارتفاع بدلًا من الانخفاض.
أنهى مؤشر S&P 500 الأسبوع دون تغيّر يُذكر عند 6,840 نقطة بعد أن تخلى عن مكاسب منتصف الأسبوع، بينما ارتفع Nasdaq بنحو 2% مدفوعًا بالنتائج الإيجابية لشركات التكنولوجيا العملاقة. في أوروبا، تراجع مؤشر STOXX 600 بنحو 0.5% يوم الجمعة وسط بيانات تضخم متباينة، لكنه حقق الشهر الرابع على التوالي من المكاسب.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تفاعلت الأسواق مع قرار الفيدرالي، ونحلل تداعيات الهدنة التجارية الأمريكية-الصينية، ونناقش العوامل المؤثرة على سعر الذهب خلال الأسابيع المقبلة.
الفيدرالي يخفض الفائدة لكنه يشدد نبرته
خفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس يوم 29 أكتوبر، كما كان متوقعًا على نطاق واسع، لتصل إلى نطاق 3.8%، في الخفض الثاني على التوالي بعد سبتمبر الماضي. جاء القرار بهدف “الحد من المزيد من الضعف في سوق العمل” وسط إشارات اقتصادية متباينة. لكن القرار لم يكن بالإجماع، حيث اعترض عضوان على القرار، كارين ميران التي فضّلت خفضًا أكبر بمقدار 50 نقطة أساس، وجيفري شميد الذي عارض أي خفض. هذا الانقسام الثنائي يجعل اجتماع أكتوبر الثالث على التوالي الذي يشهد تصويتًا منقسمًا، وهو أمر نادر لم نشهده منذ 2019.
لكن التحول الحقيقي جاء في نبرة باول المتشددة في المؤتمر الصحفي. حذّر رئيس الفيدرالي من أن خفض الفائدة في ديسمبر “بعيد كل البعد عن كونه أمرًا محسومًا”، مُصححًا بذلك توقعات الأسواق المُفرطة في التفاؤل. وأشار باول إلى أن الفيدرالي “يقود [السياسة النقدية] في جو ضبابي” بسبب عدم توفر البيانات الرسمية خلال الإغلاق الحكومي المستمر منذ أكثر من شهر. قال باول: “سنجمع كل البيانات المتاحة قدر استطاعتنا، لكن عندما تقود في الضباب، عليك أن تُبطئ من سرعتك”، ما يشير إلى احتمالية توقف الفيدرالي عن الخفض إذا استمر انقطاع البيانات الرسمية.
في خطوة مهمة أخرى، أعلن الفيدرالي إنهاء برنامج التشديد الكمي (QT) اعتبارًا من أول ديسمبر. سيوقف البنك المركزي تقليص ميزانيته البالغة 6.6 تريليون دولار، وسيعيد استثمار كافة الأوراق المالية المستحقة، خاصة تحويل السندات المدعومة بالرهن العقاري إلى أذون خزانة قصيرة الأجل. يهدف هذا “التحول نحو أذون الخزانة” إلى تخفيف الضغوط في أسواق التمويل قصير الأجل، بعدما ارتفعت أسعار إعادة الشراء الليلية (Repurchase Rate) - وهو سعر الفائدة الذي يستخدمه الفيدرالي للإقراض قصير الأجل للبنوك المعتمدة - في إشارة تحذيرية إلى انخفاض الاحتياطيات لدى البنوك الكبرى.
احتفت الأسواق بقرار خفض الفائدة في البداية، لكن نبرة باول المتشددة دفعت المستثمرين إلى إعادة التقييم. انخفضت احتمالات خفض الفائدة في ديسمبر من 92% إلى 63% بنهاية الأسبوع. ارتفع عائد السنتين رغم خفض الفائدة، وقفز عائد العشر سنوات بنحو 10 نقاط أساس إلى 4.10%، في أكبر قفزة له منذ أبريل. كما ارتفع مؤشر الدولار بنحو 1% بعد تصريحات الفيدرالي. بعبارة أخرى، نجح الفيدرالي في كبح جماح الأسواق مؤقتًا.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن الفيدرالي يسير بحذر شديد بين دعم سوق العمل المتباطئ وتجنب إشعال التضخم مجددًا. تشير توقعاتنا إلى خفض واحد آخر بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر. نتوقع استمرار التقلبات في الأسواق مع اعتماد الفيدرالي على البيانات الخاصة في ظل الإغلاق الحكومي.
نتائج إيجابية لأسهم شركات التكنولوجيا
أعلنت عدد من شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة نتائج أرباحها خلال الأسبوع. جائت النتائج قوية بشكل عام، مع استثناءات ملحوظة كشفت عن تزايد انتقائية المستثمرين. قدّمت أمازون أرقامًا استثنائية، حيث تسارع معدل نمو إيرادات الحوسبة السحابية إلى أسرع وتيرة في ثلاث سنوات، ما دفع السهم للارتفاع بنحو 10% يوم الجمعة. كما تجاوزت آبل التوقعات بفضل الطلب القوي على iPhone 17، بينما أعلنت ألفابت (جوجل) عن نتائج قوية.
في المقابل، خيّبت ميتا (فيسبوك) آمال المستثمرين، حيث هوى سهمها بنسبة 12% خلال الأسبوع. أثار إنفاق الشركة الضخم على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي مخاوف الأسواق التي كانت تتوقع تدفقات نقدية أعلى على المدى القريب. يشير رد فعل السوق إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر تمييزًا، حتى النتائج القوية من أمازون وآبل وجوجل لم تستطع رفع قطاع التكنولوجيا بأكمله عندما فشل أحد مكوناته. أنهت المؤشرات الأمريكية الأسبوع عند المستويات نفسها تقريبًا التي بدأت بها.
هدنة تجارية هشّة بين واشنطن وبكين
كان التطور الجيوسياسي الأبرز هذا الأسبوع هو التوصّل إلى هدنة تجارية بين الولايات المتحدة والصين خلال قمة APEC في كوريا الجنوبية. التقى الرئيس ترامب بالرئيس الصيني تشي جين بينج يوم 30 أكتوبر وتوصلا إلى اتفاق مفصَّل يتضمن:
خفض الرسوم الجمركية: وافق ترامب على خفض الرسوم على الواردات الصينية من 57% إلى 47% في المتوسط.
مكافحة الفنتانيل: في المقابل، تعهّد الرئيس الصيني بمكافحة “قوية جدًا” لتجارة الفنتانيل غير المشروعة، والتي تضر الولايات المتحدة عبر قنوات التصدير المفتوحة من الصين.
المعادن النادرة والتكنولوجيا: وافقت الصين على تعليق ضوابط التصدير الجديدة على المعادن النادرة لمدة عام، بينما ستؤجل الولايات المتحدة القواعد الجديدة التي كانت ستحظر على آلاف الشركات الصينية الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية.
المشتريات الزراعية: التزمت الصين بشراء 12 مليون طن من فول الصويا الأمريكي بحلول يناير، ثم 25 مليون طن سنويًا للسنوات الثلاث القادمة.
تقدم هذه الهدنة فترة راحة تمتد لعام كامل تقريبًا دون حل التوترات الاستراتيجية الجذرية. وعلى الرغم من أن التوتر التجاري قد يتصاعد مجددًا في أي لحظة، رحّبت الأسواق بالهدنة لأنها على الأقل تؤجل الأزمة.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن الهدنة التجارية إيجابية على المدى القصير، لكنها لا تحل التحديات الهيكلية. نتوقع تقلبات جديدة إذا فشلت الصين في الوفاء بالتزاماتها. على المدى المتوسط، قد نشهد ارتدادًا في أسهم القطاعات المستفيدة من استقرار التجارة، خاصة الزراعة والتكنولوجيا.
أوروبا تقترب من هدف التضخم، وتواجه شبح الركود
أبقى البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة دون تغيير عند 2% يوم 30 أكتوبر، بعد عام من التيسير النقدي المتسارع شمل خفضًا تراكميًا بلغ 200 نقطة أساس. جاء القرار وسط بيانات إيجابية، حيث انخفض التضخم في منطقة اليورو إلى 2.1% في أكتوبر من 2.2% في سبتمبر، مقتربًا من هدف البنك المركزي عند 2%.
لكن المكون الأساسي لمعدل التضخم (الذي يستثني التضخم في الغذاء والطاقة) بقي مرتفعًا عند 2.4%، بينما ارتفع تضخم الخدمات إلى 3.4% من 3.2%. رغم أن ضغوط الأسعار تراجعت بشكل كبير مقارنة بذروة 2022، إلا أن التضخم الأساسي لم يبدأ في الانخفاض الحاسم بعد.
على صعيد النمو، حقق الاقتصاد الأوروبي نموًا إيجابيًا للناتج المحلي بنسبة 0.2% في الربع الثالث، متجاوزًا التوقعات عند 0.1%. قادت فرنسا وإسبانيا أوروبا بمعدل نمو بلغ 0.5% و0.6% على التوالي، بينما تأخر الاقتصادان الألماني والإيطالي. تبقى ألمانيا، المحرك التقليدي للاقتصاد الأوروبي، على عتبة الركود منذ ثلاث سنوات، وهو ما يضع سقفًا للنمو الأوروبي المحتمل خلال 2026.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن أوروبا تحقق “هبوطًا هادئًا” حتى الآن، حيث استطاعت أن تحقق نموًا بطيئًا لكن إيجابيًا، وتضخمًا منخفضًا دون قفزة كبيرة في البطالة. نتوقع أن يبقى البنك المركزي الأوروبي متساهلًا، مع احتمالية خفض إضافي واحد للفائدة بحلول منتصف 2026.
الذهب يستقر مؤقتًا
شهد الذهب أسبوعًا متقلبًا، حيث بدأ بموجة بيع دفعت السعر للهبوط إلى 3,886 دولارًا يوم الثلاثاء، والذي يوافق يوم انتهاء صلاحية عقود الخيارات لشهر أكتوبر. بمجرد زوال الضغوط المرتبطة بعقود الخيارات، ارتد السعر بقوة ليغلق الأسبوع حول مستوى 4,000 دولار، بعد أن لامس قمة تاريخية عند 4,381 دولارًا يوم 20 أكتوبر. يبقى الذهب مرتفعًا بنحو 50% منذ بداية العام، في أقوى أداء سنوي له منذ 1979.
ينتظر الذهب تحديًا أكبر مع دخول عقود الخيارات الخاصة بشهر ديسمبر حيز التداول، حيث تتخطى قيمتها حاليًا 1.64 مليار دولار، أي أكثر من ضعف حجم عقود نوفمبر التي ساهمت في الانخفاض الأخير للسعر. إذا أثرت عقود ديسمبر على حركة السعر بشكل مشابه لعقود نوڤمبر، فإن ذلك يعني انخفاض سعر الذهب إلى نطاق 3,750-3,850 دولارًا للأونصة، قبل الارتفاع مرة أخرى في بداية 2026.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يواجه الذهب ضغوطًا متزايدة خلال شهر نوڤمبر، مع احتمالية وصول السعر إلى نطاق 3,750-3,850 دولارًا للأونصة. سيوفر هذا التصحيح المتوقع فرصة شراء ممتازة للمستثمرين طويلي المدى. حيث نتوقع أن يصل الذهب إلى مستويات قياسية جديدة في بداية 2026، تمهيدًا للوصول إلى مستويات 4,900-5,200 دولار في مارس-أبريل 2026.
الخلاصة
تواجه الأسواق مع اقتراب عام 2025 من نهايته عدة محركات متناقضة: يخفض الفيدرالي الفائدة لكنه يحذّر من التسرع، توفر الهدنة التجارية الأمريكية-الصينية راحة مؤقتة لكنها لا تحل المشاكل الجذرية، والذهب يتباطئ مؤقتًا بينما تبقى الأسهم قرب قممها التاريخية.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
تقرير الوظائف الأمريكي (7 نوفمبر): إذا انتهى الإغلاق الحكومي وصدر التقرير، سيكون حاسمًا في تحديد توجه الفيدرالي في ديسمبر.
بيانات التجارة والتضخم الصينية: ستكشف عن تأثير الهدنة التجارية وإجراءات التحفيز.
في أموال، مازالت محافظنا منكشفة بشكل كامل على الأسهم الأمريكية والذهب، ونراقب بشكل مستمر تطورات السياسات النقدية والتجارية لتحديد نقاط الضعف المحتملة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات.



