الفيدرالي يفتح باب التيسير النقدي ويدفع الأسواق للصعود
باول يتراجع عن موقفه المتشدد، والحكومة الأمريكية تستحوذ على نسبة من إنتل
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
دخلت الأسواق المالية العالمية مرحلة جديدة هذا الأسبوع بعد خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في جاكسون هول، والذي أشار فيه بوضوح إلى قرب خفض أسعار الفائدة الأمريكية، في تحول حاسم عن السياسة التشددية التي اتبعها البنك المركزي الأمريكي طوال العام الماضي. جاء هذا التحول وسط مخاوف متزايدة من تباطؤ سوق العمل الأمريكي وإشارات على أن التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية قد يكون "عابرًا" وليس هيكليًا.
احتفت الأسواق بالإشارات الإيجابية من باول، حيث قفز مؤشر S&P 500 بنسبة 1.3% يوم الجمعة، محققًا مكاسب أسبوعية طفيفة رغم التقلبات الحادة التي شهدها منتصف الأسبوع. وانخفضت عوائد السندات الأمريكية بشكل ملحوظ، مع تراجع العائد على سندات العشر سنوات بنحو 7 نقاط، فيما ارتفع الذهب بأكثر من 1% ليقترب من مستوياته القياسية. بالتوازي، تراجع الدولار الأمريكي بشكل حاد بعد تصريحات باول قبل أن يستقر في نهاية الأسبوع.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع التحولات المحتملة في السياسة النقدية الأمريكية، وتداعياتها على الأسواق العالمية، مع تسليط الضوء على التطورات الاقتصادية في الولايات المتحدة والصين.
باول يخفف نبرة التشديد النقدي في جاكسون هول
شكّل خطاب جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، في مؤتمر جاكسون هول السنوي تحولًا واضحًا في نبرة الفيدرالي تجاه الوضع الاقتصادي الحالي. اعترف رئيس الفيدرالي بأن سوق العمل "ليس بالقوة التي كنا نظن"، مشيرًا إلى المراجعات الأخيرة التي أظهرت أن نمو الوظائف كان أضعف بكثير مما قُدّر سابقًا، حيث أظهرت البيانات أن الاقتصاد الأمريكي أضاف حوالي 30 ألف وظيفة شهريًا خلال الأشهر القليلة الماضية مقابل 150 ألف في بداية العام. وكذلك وصف باول التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية الجديدة بأنه "زيادة لمرة واحدة في مستوى الأسعار" وليس دوامة تضخمية مستمرة.
هذا التحليل يشير بوضوح إلى أن الفيدرالي مستعد لخفض الفائدة في سبتمبر، مع احتمالية خفضها مجددًا خلال 2025 إذا استمر ضعف سوق العمل. تفاعلت الأسواق بشكل إيجابي مع خطاب باول، حيث ارتفعت احتمالية خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة (0.25%) في سبتمبر إلى 85%، مقابل أقل من 60% في نهاية يوليو.
💡 توقعات خبراء أموال: تحول موقف باول يمثل بداية دورة تيسير نقدي جديدة قد تستمر حتى نهاية 2026. نتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس على الأقل بحلول نهاية 2025، مع احتمالية تسريع وتيرة الخفض إذا تدهورت أوضاع سوق العمل بشكل أسرع من المتوقع. تستمر دورة خفض الفائدة في 2026، حيث يتم خفضها بمقدار 75-100 نقطة بشكل تدريجي، خصوصًا مع خروج باول من منصبه في مايو 2026. نتوقع أيضًا أن تستمر إدارة ترامب في ممارسة ضغوط سياسية على الفيدرالي بشكل يدفع الفائدة الحقيقية إلى الهبوط تحت 0% بنهاية الفترة الرئاسية الحالية في 2028.
الحكومة الأمريكية تستحوذ على 10% من إنتل
في خطوة تاريخية غير مسبوقة، أعلن الرئيس ترامب عن استحواذ الحكومة الأمريكية على حصة 10% في شركة إنتل، أكبر مصنع لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة. الصفقة، التي تم إتمامها يوم الجمعة، تتضمن تحويل 8.9 مليار دولار من المنح المعتمدة سابقًا في 2022 ضمن قانون CHIPS إلى حصة تمتلكها الحكومة الأمريكية تُقدر بـ433 مليون سهم في الشركة.
أكد وزير التجارة هوارد لوتنيك أن الحكومة لن تملك حقوق تصويت أو سيطرة يومية رغم حصتها الكبيرة نسبيًا، واصفًا الاتفاق بأنه "تاريخي" و"يعزز القيادة الأمريكية في أشباه الموصلات". جاءت الصفقة بعد ضغوط من ترامب على الرئيس التنفيذي للشركة بسبب استثماراته السابقة في شركات تكنولوجيا صينية.
ارتفع سهم إنتل مبدئيًا بنسبة 5% على أنباء الدعم الحكومي، لكن المكاسب تلاشت مع إدراك المستثمرين أن الحكومة حصلت على حصتها بسعر مخفض (20.47 دولار للسهم) وأنها لن تؤثر على إدارة الشركة. تعكس الخطوة توجهًا عامًا من إدارة ترامب نحو تدخل حكومي أكبر في الصناعات الاستراتيجية، في محاولة لإعادة توطينها داخل الولايات المتحدة مرة أخرى.
💡 توقعات خبراء أموال: تمثل صفقة إنتل سابقة خطيرة قد تفتح الباب أمام المزيد من التدخل الحكومي في القطاع الخاص، والذي قد يتحول إلى أداة سياسية في ظل إدارة ترامب تحديدًا. نتوقع أن تستمر الإدارة الحالية في استخدام أدوات مماثلة لدعم الشركات الأمريكية في مواجهة المنافسة الصينية، ما قد يخلق فرصًا استثمارية انتقائية في الشركات ذات الأهمية الاستراتيجية.
فقاعة الذكاء الاصطناعي تثير قلق المستثمرين
شهدت أسهم التكنولوجيا تراجعًا حادًا في بداية الأسبوع وسط تزايد المخاوف من أن قطاع الذكاء الاصطناعي قد دخل منطقة "الفقاعة". تصريحات سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن القطاع "في فقاعة على الأرجح" وأن "الكثير من الناس سيخسرون الكثير من المال" أثارت موجة من عمليات البيع في أسهم التكنولوجيا.
زادت دراسة من معهد MIT من المخاوف بكشفها أن 95% من مشاريع الذكاء الاصطناعي في الشركات لا تحقق عائدًا ملموسًا على الاستثمار حتى الآن. على خلفية الأخبار السلبية، انخفض مؤشر فيلادلفيا لأشباه الموصلات SOX بأكثر من 2% خلال الأسبوع، مع تراجع سهم إنفيديا بأكثر من 4% وسط مخاوف من منافسة صينية جديدة ومخاوف من انخفاض الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي. رغم ذلك، ساعد التحول المفاجئ للفيدرالي في الحد من الخسائر، حيث استفادت أسهم التكنولوجيا الكبرى من توقعات انخفاض أسعار الفائدة.
الصين تواجه التباطؤ بحذر
يواصل الاقتصاد الصيني إظهار علامات الضعف، مع بيانات يوليو التي أكدت أنه كان أضعف شهر في 2025. حيث تباطأ نمو الإنتاج الصناعي إلى 3.5% فقط على أساس سنوي، بينما نمت مبيعات التجزئة بنسبة ضعيفة بلغت 2.5%. الأكثر إثارة للقلق كان انكماش القروض الجديدة باليوان في يوليو، لأول مرة منذ 20 عامًا.
أبقى بنك الشعب الصيني على أسعار الفائدة المرجعية دون تغيير للشهر الثالث على التوالي، مفضلاً استخدام أدوات "هيكلية موجهة" لدعم قطاعات محددة. على الصعيد المالي، أطلقت الحكومة إجراءات تشمل دعم الفائدة للأعمال في ثماني صناعات خدمية ودعم المستهلكين لاستبدال السيارات والأجهزة القديمة.
الهدنة التجارية لـ90 يومًا مع الولايات المتحدة، التي أُعلنت في 12 أغسطس، وفرت بعض الراحة. كان ترامب قد قرر تعليق زيادات الرسوم الجمركية المخطط لها (145% على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار) حتى 10 نوفمبر على الأقل، وردَّت الصين بالمثل، ما وفّر مساحة مناورة إضافية لصناع القرار لمحاولة إنعاش الاقتصاد الصيني.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن تواصل الصين نهجها الحذر في التحفيز الاقتصادي، مع خفض محتمل لنسبة الاحتياطي الإلزامي بمقدار 0.5% وخفض طفيف للفائدة بمقدار 10 نقاط أساس في الربع الأخير من العام. ولذلك قد ينخفض النمو الصيني لعام 2025 إلى 4.5% من التوقعات السابقة البالغة 5%، لكن التباطؤ الصيني الطفيف لن يؤثر بشكل ملموس على حركة الاقتصاد العالمي.
الذهب يستعد لموجة صعود جديدة
سجَّل الذهب أسبوعًا قويًا، مرتفعًا بنسبة 1% يوم الجمعة وحده بعد خطاب باول في جاكسون هول. الذهب، الذي يتداول حاليًا قرب مستويات قياسية حول 3,370 دولارًا، يستفيد من مجموعة من العوامل الداعمة: انخفاض العوائد الحقيقية، وضعف الدولار، ومشتريات البنوك المركزية القوية.
يقف الذهب الآن على أعتاب تحدٍ أكبر: اختراق المستوى الأقصى عند 3,450 دولارًا، والذي فشل السعر في تخطيه عدة مرات منذ نهاية أبريل الماضي. نتوقع أن ينجح السعر في اختراق هذا المستوى لأعلى في الفترة بين 27 أغسطس (بعد انتهاء صلاحية عقود الخيارات الحالية) و17 سبتمبر (اجتماع الاحتياطي الفيدرالي). من المثير للاهتمام أن شهر سبتمبر يحتل المرتبة الثانية تاريخيًا من حيث متوسط المكاسب الشهرية للذهب على مدى الـ55 عامًا الماضية، متخلفًا فقط عن شهر يناير بفارق 0.1%. يضيف هذا العامل الموسمي الإيجابي زخمًا إضافيًا لتوقعات الصعود.
💡 توقعات خبراء أموال: تظل توقعاتنا لسعر الذهب دون تغيير عند نطاق 3,780 إلى 4,050 دولارًا للأونصة. نرى أن الصعود القادم فوق مستويات 3,450 دولارًا سيكون بداية لموجة صعود كُبرى قد تمتد حتى نهاية العام. سيكون المحفز الأساسي لحركة السعر هو توقعات خفض الفائدة الأمريكية، واستمرار الدولار في الانخفاض.
الخلاصة
نقف اليوم على أعتاب تحول جديد في السياسة النقدية العالمية. خطاب باول في جاكسون هول لم يكن مجرد تغيير في النبرة، بل إعلان عن نهاية دورة التشديد النقدي التي بدأت في 2022، وبداية مرحلة جديدة من التيسير قد تستمر لعدة سنوات، خصوصًا مع خروج باول من المشهد. ترسم التحولات التي شهدناها هذا الأسبوع معالم واضحة للمشهد الاستثماري:
أولاً: يبدأ الفيدرالي الأمريكي في التخلي عن صرامته السابقة ويضع الاستقرار الاقتصادي ودعم سوق العمل كأولوية، حتى لو كان ذلك يعني التسامح مؤقتًا مع تضخم أعلى من المستهدف.
ثانياً: التدخل الحكومي في القطاعات الاستراتيجية أصبح واقعًا جديدًا، كما رأينا في صفقة إنتل.
ثالثاً: مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي تزداد، لكن السيولة المتوقعة من خفض الفائدة قد تؤجل أي تحولات متوقعة في هذا القطاع.
رابعًا: الصين تواجه تحدياتها بحذر شديد، مفضلة الاستقرار على النمو السريع، مما قد يحد من دورها كمحرك للنمو العالمي.
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأسواق للربع الأخير من 2025. البيانات الاقتصادية، خاصة تقرير الوظائف الأمريكي في سبتمبر ومؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، ستحدد سرعة ومدى خفض الفائدة. كما أن تطورات الحرب التجارية مع الصين ومحادثات السلام في أوكرانيا قد تخلق تقلبات مفاجئة.
💡 في أموال، نحافظ على موقف متوازن مع ميل نحو المخاطرة. مازلنا نحتفظ بمراكز تكتيكية في الذهب وبتكوين، مع الاستعداد لخفض التعرض لأصول المخاطرة إذا طرأ تحول على البيانات الاقتصادية أو على موقف الفيدرالي.