الأسواق تنتظر قرار الفيدرالي
الفيدرالي يستعد للتيسير النقدي، بينما تواصل اليابان رفع الفائدة
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
حققت الأسهم الأمريكية مكاسب متواضعة هذا الأسبوع، حيث ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 0.3%، بينما صعد مؤشر Nasdaq بنسبة 1%. في المقابل، استقر الذهب حول مستوى 4,200 دولارًا للأونصة في انتظار إشارة من اجتماع الفيدرالي للانطلاق نحو قمم جديدة. بينما يواصل بتكوين تداوله في منطقة الخطر حول 90,000 دولار. يستعد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المرتقب يومي 09-10 ديسمبر. وفي المقابل، يوشك بنك اليابان على رفع الفائدة للمرة الأولى منذ يناير الماضي، في تحول قد يؤثر سلبًا على الأسواق.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تتباين مسارات البنوك المركزية العالمية وتأثيرها على الأسواق، ونرصد تطورات الذهب وبتكوين في انتظار قرار الفيدرالي.
الأسهم الأمريكية تعاود الارتفاع مجددًا وتنتظر قرار الفيدرالي
واصلت الأسهم الأمريكية صعودها للأسبوع الثاني على التوالي، حيث ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 0.3% ليغلق عند مستويات قريبة من القمم التاريخية، بينما صعد مؤشر Nasdaq 100 التكنولوجي بنسبة 1%. قادت القطاعات الحساسة للنمو المكاسب، حيث تفوقت أسهم التكنولوجيا والسلع الاستهلاكية والاتصالات، بينما تراجعت قطاعات أسهم المرافق والطاقة.
يأتي هذا الصعود مدفوعًا بتوقعات شبه مؤكدة بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المرتقب يومي 9-10 ديسمبر. تسعّر أسواق العقود الآجلة احتمالية تصل إلى 86% لخفض الفائدة، في أعلى مستوى للثقة منذ بداية دورة التيسير النقدي. عكس سوق السندات هذا التوقع بوضوح، حيث استقر عائد السندات لأجل 10 سنوات حول 4.14%، مرتفعًا قليلاً في الأيام الأخيرة لكنه ما زال بعيدًا عن قمم أكتوبر (أكثر من 5%). أما عائد السنتين، الأكثر حساسية لسياسة الفيدرالي، فقد استقر حول 3.57%، ما يعكس التوقعات بأن الفائدة ستنخفض في الأشهر القادمة.
جاءت هذه التوقعات مدعومة ببيانات اقتصادية متواترة تشير إلى تباطؤ التضخم وضعف سوق العمل. على صعيد البيانات الاقتصادية، تم نشر مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) لشهر سبتمبر بعد تأخير قياسي استمر 43 يومًا بسبب الإغلاق الحكومي. أظهر المؤشر، الذي يُعد المقياس المفضل للفيدرالي لقياس التضخم، أن التضخم الأساسي ارتفع بنسبة 0.3% فقط في سبتمبر، متوافقًا مع التوقعات. كما أظهرت بيانات الإنفاق الاستهلاكي نموًا هامشيًا فقط، في تراجع عن وتيرة الشهر السابق. ما يعني أن التضخم، رغم بقائه فوق المستهدف، يتراجع بالتدريج، وأن الاقتصاد قد يفقد بعض الزخم مع دخول الربع الأخير من العام. في المقابل، أظهر سوق العمل إشارات ضعف. رغم أن تقرير الوظائف الرسمي لشهر نوفمبر سيصدر الأسبوع المقبل، إلا أن مؤشرات أخرى مثل طلبات إعانة البطالة أشارت إلى تدهور واضح في سوق العمل. أدى ذلك إلى تراجعت عوائد السندات والدولار منتصف الأسبوع، بفعل المخاوف المستمرة بشأن سوق العمل حتى مع تحسن المعنويات في السوق.
السؤال الرئيسي الآن ليس ما إذا كان الفيدرالي سيخفض الفائدة، بل كيف سيُصوغ المسار المستقبلي للسياسة النقدية. إذا أشار الفيدرالي إلى أن هذا بداية دورة تيسير تستمر لعدة أشهر، فسوف تندفع الأسواق صعودًا. لكن إذا قدم “خفضًا متشددًا”، أي خفض الفائدة مع الإشارة إلى أن التضخم ما زال فوق 2% ورهن التحركات المستقبلية بالبيانات الاقتصادية، فسوف يؤدي ذلك إلى هبوط جماعي للأسواق.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر، في خطوة حذرة مع لغة متوازنة. نرى أن الفيدرالي يسير بحذر شديد بين دعم سوق العمل المتباطئ وتجنب إشعال التضخم مجددًا. على المدى المتوسط، نتوقع خفض الفائدة مرتين متتاليتين في الربع الأول من 2026، مع احتمالية وصول معدل الفائدة إلى نطاق 3.0-3.25% بحلول منتصف 2026.
بنك اليابان على وشك رفع جديد للفائدة
رفع الفائدة، كان الحدث الأبرز على الساحة النقدية العالمية هذا الأسبوع في اليابان، حيث تشير التسريبات إلى نية البنك المركزي رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه القادم. كانت اليابان تعاني من انكماش دائم خلال العقود الماضية لعدة أسباب هيكلية، أهمها انكماش القوى العاملة نتيجة انخفاض عدد الأشخاص في سن العمل وارتفاع نسبة المسنين بالنسبة لتعداد السكان بسبب انخفاض معدل المواليد. السكان في سن الإنتاج والاستهلاك هم القوة المحركة لأي اقتصاد، وانخفاض نسبة هذه الفئة أدى إلى انخفاض الاستهلاك، ما أدى في النهاية إلى انكماش دائم في الأسعار وانخفاض أرباح الشركات. بالتوازي، ارتفاع قيمة الين الياباني وصعود الصين كقوة تصنيع وتصدير عملاقة أدى إلى انخفاض تنافسية السلع اليابانية في السوق العالمي. دفع هذا الوضع بنك اليابان إلى تبني سياسات نقدية تسهيلية (Quantitative Easing) مفتوحة في بداية الألفينات، حيث خفض معدل الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر للسيطرة على ارتفاع قيمة الين، بالتوازي مع شراء سندات الحكومة اليابانية من السوق بشكل مستمر لدفع عجلة الاقتصاد. حافظ بنك اليابان على أسعار فائدة قصيرة الأجل سالبة (وصلت إلى -0.1% في 2019) ومراقبة صارمة لمنحنى العائد (Yield Curve Control) لسنوات، لكن ارتفاع التضخم في السنوات الأخيرة أنهى هذا التوجه.
تستمر عوائد السندات الحكومية اليابانية في الارتفاع بفعل توقعات رفع الفائدة، حيث تجاوزت عوائد السنتين 1% لأول مرة منذ عام 2007، وتخطت كذلك عوائد السندات لأجل 10 سنوات مستوى 1.9%. يواصل الين الياباني ارتفاعه، ما يهدد صفقات Carry Trade الممولة بالين. كان الانخفاض المستمر لمعدل الفائدة في اليابان مقارنة بمعدلات الفائدة في الاقتصاديات الأخرى خلال العقود الماضية، بالتوازي مع استقرار سعر صرف الين بشكل نسبي، قد خلق ما يُعرف بصفقات الين الممولة (Yen Carry Trade). الفكرة هنا أن المؤسسات الاستثمارية العملاقة وصناديق التحوط في العالم كله اعتادت اقتراض الين من البنوك اليابانية بأسعار فائدة تكاد تكون منعدمة، ثم تُحول ما اقترضته إلى عملات أخرى للاستثمار في السندات وأسهم الشركات في أمريكا وأوروبا والأسواق الناشئة وحتى بتكوين. هنا يستفيد المستثمر بأنه يقترض بتكلفة رأس مال منخفضة للغاية، ويستثمر إما في أصول مضمونة العائد مثل السندات ويربح فرق الفائدة بين الين الياباني والدولار الأمريكي أو اليورو، أو حتى يستثمر في أسهم الشركات الأمريكية والأوروبية ويستفيد من حركة السعر الإيجابية للأسهم على المدى المتوسط والطويل. لتخيل حجم صفقات الين الممولة، قدّر بنك التسويات الدولية (مؤسسة مالية دولية مملوكة للبنوك المركزية) حجم القروض المقوّمة بالين الياباني في نهاية مارس 2024 بحوالي 328 تريليون ين، أو ما يعادل حوالي 2.2 تريليون دولار أمريكي. هذا الحجم الضخم يجعل أي تحول في سياسة بنك اليابان ذا تأثير عالمي واسع.
متى يمكن أن تحدث أزمة للمستثمرين الذين ينفذون صفقات الين الممولة؟ عندما يبدأ بنك اليابان موجة تشديد نقدي، كما هو متوقع الآن. يؤدي رفع معدل الفائدة وارتفاع قيمة الين الياباني مقابل باقي العملات إلى ما يسمى بتقليل الرافعة المالية (Deleveraging). الفكرة هنا أن المستثمرين الذين اعتمدوا على اقتراض الين الياباني وتحويله لعملات أخرى يجدون أنفسهم مجبرين على سداد قروضهم بشراء الين مرة أخرى بعد ارتفاع قيمته بشكل ملحوظ. هنا تبدأ عملية تقليل الرافعة المالية: مستثمر “أ” يبيع جزءًا من الأصول التي يمتلكها ويشتري ين ياباني لسداد قروضه، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة الأصول التي قرر مستثمر “أ” بيعها، وارتفاع جديد لقيمة الين (بحكم العرض والطلب). انخفاض أسعار الأصول والارتفاع الجديد للين يُجبر مستثمر “ب” على بيع جزء من الأصول التي يمتلكها لسداد قروضه، وهكذا. في النهاية، يتحول هذا خلال عدة أيام إلى هبوط لا يتوقف في أسعار الأصول وارتفاع متسارع لسعر الين مقابل باقي العملات. حدث هذا بالفعل في أغسطس 2024، عندما أدى تعديل سياسة بنك اليابان إلى محو حوالي 600 مليار دولار من سوق العملات الرقمية وانخفاض مؤشر S&P 500 بأكثر من 10% خلال 14 يوم تداول. على الرغم من ذلك، نتصور أن الأسواق سوف تستطيع امتصاص رفع فائدة بنك اليابان بسلاسة أكبر هذه المرة، لأن إدارة بنك اليابان استطاعت أن تُهيأ الأسواق لقرار رفع الفائدة قبل الإعلان عنه بوقت طويل.
الذهب ينتظر قرار الفيدرالي
استقر الذهب هذا الأسبوع حول 4,200 دولارًا للأونصة، منهيًا الأسبوع دون تغيير يُذكر (منخفضًا بنحو 0.2%). ينتظر الذهب قرار الفيدرالي لتحديد مقدار السيولة المتوفرة للذهب، حيث أن التراجع المتوقع للعوائد على السندات مع خفض الفائدة سيدفع رؤوس الأموال إلى التدفق تدريجًا للذهب. في غياب أية مفاجآت من الفيدرالي، على الأرجح سيبقى الذهب في نطاقه الحالي قرب 4,200 دولار على المدى القصير. ثم يبدأ موجة الصعود الجديدة بداية العام القادم.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن الذهب في وضع جيد للانطلاق نحو قمم جديدة إذا قدم الفيدرالي إشارات متساهلة في اجتماعه المقبل. على المدى القصير، قد يواجه السعر مقاومة عند 4,270-4,350 دولار، لكن أي تراجعات قصيرة الأجل خلال الأشهر القادمة ستمثل فرصة شراء ممتازة. نحافظ على أهدافنا طويلة المدى عند 4,900-5,200 دولار للأونصة بحلول مارس-أبريل 2026، بما يتماشى مع دورة التيسير النقدي المتوقعة.
بتكوين مازال يعاني
استقر سعر بتكوين هذا الأسبوع قرب مستويات 90,000 دولارًا لكن الهيكل العام للسعر يُذكرنا بالربع الأول من عام 2022، حيث يتم تفكيك مراكز الرافعة المالية (Leverage) بشكل منظم دون انهيار مفاجئ للسعر. في سوق الخيارات، نلاحظ تركزًا هائلًا لعقود البيع (puts) حول مستوى 84,000 دولار، وعقود الشراء (calls) حول مستوى 100,000 دولار، ما يخلق مجالًا لتحركات حادة في ذلك النطاق. مازلنا نرى أن بتكوين في وضع هش للغاية، حيث تُشير حركة رؤوس الأموال في سوق العقود الآجلة إلى أن المضاربين يتوقعون تخطي بتكوين مستوى 100,000 دولار على المدى القصير.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يبقى بتكوين متماسكًا ضمن نطاق 81,000-95,600 دولار حتى انتهاء صلاحية عقود الخيارات الضخمة في أواخر ديسمبر. اختراق مستوى 81,000 دولار للأسفل سيشكل إشارة سلبية قوية قد تفتح الباب لانخفاض نحو 70,000-75,000 دولار. ننصح بالحذر الشديد على المدى القصير، مع الانتظار حتى تظهر علامات واضحة على عودة السيولة والطلب المؤسسي.
الخلاصة
تدخل الأسواق العالمية أسبوعًا حاسمًا تحدد فيه لهجة الفيدرالي المسار خلال الأسابيع القادمة. بينما يستعد الفيدرالي لخفض الفائدة، يوشك بنك اليابان على رفع الفائدة للمرة الأولى منذ شهور. فمن ناحية، التيسير النقدي من الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا يدعم الأسهم والسندات والذهب. ومن ناحية أخرى، تشديد بنك اليابان قد يضغط على السيولة العالمية ويهز الأصول الحساسة مثل بتكوين والأسواق الناشئة. مازال الذهب في وضع ممتاز للانطلاق نحو قمم جديدة إذا انخفضت عوائد السندات، بينما يواصل بتكوين تداوله في منطقة الخطر.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
اجتماع الاحتياطي الفيدرالي (09-10 ديسمبر): الحدث الأبرز سيكون الإعلان عن قرار الفائدة والمؤتمر الصحفي لرئيس الفيدرالي يوم الأربعاء 10 ديسمبر.
اجتماع البنك المركزي الأوروبي (الخميس 11 ديسمبر): ينصب الاهتمام على المؤتمر الصحفي لرئيسة البنك كريستين لاغارد. هل تعترف بأن التضخم قد وصل بالفعل للمعدل المستهدف وتفتح الباب لتخفيضات مستقبلية؟ أم تحافظ على موقف حذر، مؤكدة أن أي حديث عن تخفيضات سابق لأوانه؟
💡 في أموال، نحافظ على تعرض كامل للذهب كملاذ آمن وأداة تحوط ضد تقلبات الأسواق. ونبقى حذرين تجاه بتكوين حتى تتضح علامات استقرار السوق. ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.



