الحكومة الأمريكية تعود للعمل والأسواق تترقب حركة الاقتصاد
إنهاء الإغلاق الحكومي الأطول في التاريخ يكشف عن فجوات لا يمكن سدّها، والفيدرالي منقسم حول مصير الفائدة
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
انتهى هذا الأسبوع أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة بعد أكثر من 40 يومًا من الشلل التام. لكن عودة الحكومة الفيدرالية للعمل لا تعني انتهاء الأزمة، حيث أن البيانات الاقتصادية الحيوية لشهر أكتوبر، بما في ذلك تقرير الوظائف ومؤشر التضخم، لن تُنشر أبدًا، تاركة فجوة في فهم المستثمرين وصناع السياسة النقدية للاقتصاد الأمريكي.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع كيف تتخبط الأسواق في ظل غياب البوصلة الاقتصادية، ونحلل الانقسام الحالي داخل الاحتياطي الفيدرالي، ونرصد التحولات الأخيرة في أسواق الذهب والعملات الرقمية.
نهاية الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة
انتهى أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة يوم 12 نوفمبر بعد أكثر من 40 يومًا من الشلل المؤسسي، لكن ردة فعل الأسواق كانت عكس التوقعات تمامًا. في البداية، قفز مؤشر S&P 500 بنسبة 1.54% يوم الإثنين، لكن بحلول جلسة الخميس تراجع S&P 500 بنسبة 1.66%، بينما انخفض مؤشر Nasdaq بنسبة 2%.
كما حذر البيت الأبيض من أن تقارير التضخم والتوظيف لأكتوبر “على الأرجح لن يتم نشرها أبدًا”، بينما يواجه مكتب إحصاءات العمل تأخيرات حادة، حيث لن يتم نشر بيانات الوظائف لشهر سبتمبر قبل 20 نوفمبر، مع تشكيك واسع في جودة بيانات أكتوبر.
الفيدرالي مازال منقسمًا حول قرار الفائدة
يضع هذا الفراغ في البيانات الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب للغاية. فبدون معرفة دقيقة بوضع سوق العمل والتضخم في أكتوبر، يضطر صناع السياسة النقدية إلى الاعتماد على بيانات القطاع الخاص وتقديرات الاقتصاديين، وهو وضع غير مسبوق في تاريخ البنك المركزي الأهم في العالم. من جهته أعلن جيروم باول، رئيس الفيدرالي، أن خفض الفائدة في ديسمبر “ليس أمرًا مفروغًا منه على الإطلاق”. وأشار باول إلى أن استمرار النمو الاقتصادي والتضخم العالق عند 2.7% تُعد أسباب وجيهة للتريث. وأيده في هذا الموقف عدد من أعضاء الفيدرالي، محذرين من أن التسرع في التيسير قد يُعيد إشعال أزمة التضخم. في المقابل، يقود كريستوفر والر وميشيل باومان معسكرًا آخَر يدفع بقوة نحو الخفض الفوري، محتجين بأن سوق العمل يظهر علامات ضعف خطيرة وأن التأخير قد يدفع الاقتصاد نحو الركود.
انعكس هذا الانقسام الداخلي بوضوح في أسواق العقود الآجلة، حيث انخفضت احتمالية خفض الفائدة في ديسمبر من 88% قبل شهر إلى حوالي 45% فقط حاليًا. ويتوقع المحللون الآن أن يشهد اجتماع ديسمبر تصويتًا منقسمًا مع اعتراضين أو أكثر، في كسر نادر لتقليد الإجماع الذي اعتاد عليه الفيدرالي.
💡 توقعات خبراء أموال: نرجح بنسبة 60% أن يُقدم الفيدرالي على خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر، رغم الانقسام الداخلي. السبب الرئيسي هو أن البيانات المتاحة من القطاع الخاص تشير إلى ضعف واضح في سوق العمل، وأن الفيدرالي سيفضل الحذر على المخاطرة بركود اقتصادي.
الأسواق الأوروبية تسجل قممًا قياسية ثم تتعثر
حققت أسواق الأسهم الأوروبية أقوى أداء لها في ثلاثة أسابيع، حيث سجل مؤشر STOXX 600 إغلاقات قياسية لثلاثة أيام متتالية (10-12 نوفمبر)، بلغت ذروتها عند حوالي 585 نقطة يوم الأربعاء قبل أن يتراجع الخميس. ووصل كذلك مؤشر FTSE 100 البريطاني إلى رقم قياسي عند 9,787.15 نقطة يوم الإثنين، بينما لامس CAC 40 الفرنسي مستوى 8,241، وDAX الألماني 23,960، مدفوعة جميعها بالارتياح لإنهاء الإغلاق الأمريكي.
في المقابل، مازال الوضع الاقتصادي في أوروبا محل تساؤل، حيث خالف الاقتصاد الفرنسي توقعات الانكماش وحقق نموًا بنسبة 0.5% رغم الاضطرابات السياسية، بينما توقفت ألمانيا وإيطاليا عند 0.0%، وواصلت إسبانيا التفوق بنمو بلغ 0.6%، مقابل انكماش الاقتصاد الأيرلندي بنسبة 1.3%. إجمالي منطقة اليورو جاء عند 0.2%—مطابقًا للتوقعات لكنه يُخفي ضعفًا داخليًا كبيرًا.
تحذيرات متزايدة من فقاعة الذكاء الاصطناعي
شهدت أسهم التكنولوجيا أسبوعًا صعبًا، حيث بدأت السردية المتفائلة حول الذكاء الاصطناعي، والتي كانت المحرك الرئيسي لصعود أسهم التكنولوجيا طوال العام، في التفكك تدريجيًا. رغم أن الشركات “السبعة الكبار” حققت أرباحًا قوية في الربع الثالث، إلا أن أسعار أسهمها تراجعت أو ظلت ثابتة، ما يشير إلى أن التوقعات المرتفعة كانت مُسعَّرة بالفعل في الأسواق.
الإشارة الأكثر إثارة للقلق جاءت من سوق مبادلات مخاطر الائتمان (CDS)، حيث ارتفعت مخاطر الائتمان على بعض الشركات العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي مثل Oracle وCoreWeave بشكل ملحوظ. يأتي هذا الارتفاع على خلفية اقتراض بعض هذه الشركات مبالغ ضخمة لتمويل بناء مراكز البيانات العملاقة الخاصة بنماذج الذكاء الاصطناعي، لكن الإيرادات المتوقعة من هذه الاستثمارات لم تتحقق بعد. مستثمرو السندات، الذين يهتمون بقدرة الشركات على سداد ديونها، بدأوا يشككون في إمكانية توليد تدفقات نقدية كافية لتغطية تكاليف الديون، فارتفعت بذلك تكلفة التحوط ضد الإفلاس.
رغم هذه المخاوف، يؤكد محللون كثيرون أن الشركات الكبرى مثل Alphabet وAmazon وNvidia تمول استثماراتها في الذكاء الاصطناعي من تدفقاتها النقدية الهائلة وليس من الديون، مما يعني أن وضعها المالي آمن. وأن المشكلة تقتصر فقط على الشركات الصغيرة المثقلة بالديون.
بتكوين يعاني بشدة في ظل انخفاض تدفقات الصناديق الاستثمارية
شهد سوق العملات الرقمية انهيارًا كبيرًا هذا الأسبوع، حيث تراجعت بتكوين بنسبة 9% لتستقر حول 95,000 دولار، في أدنى مستوى لها منذ مارس الماضي. وبذلك، خسرت بتكوين حوالي 30% في أقل من شهرين بعد تخطيها حاجز 125,000 دولار في سبتمبر.
وكما أشرنا في العدد السابق، فشل بتكوين في تخطي مستويات 105,000 دولار أدى إلى هبوط سريع دون 100,000 دولار. مازلنا نتوقع أن يوفر مستوى 90,000 إلى 95,000 دولار دعمًا مناسبًا لسعر بتكوين على المدى القصير، لكن التحركات الأخيرة لا تبشر بأداء إيجابي لسوق العملات الرقمية حتى نهاية 2025.
💡 توقعات خبراء أموال: تخارجت محافظنا الاستثمارية من بتكوين تدريجًا في مستويات 105,000 إلى 115,000 دولار، وننتظر الآن حدوث تحول إيجابي في العوامل المؤثرة في حركة السوق لإعادة تقييم موقفنا تجاه سوق العملات الرقمية.
الذهب يستعد لتصحيح قصير الأجل قبل استئناف الصعود
استطاع الذهب التعافي نسبيًا هذا الأسبوع بعد الهبوط الكبير الذي بدأ في نهاية أكتوبر. حيث لامس السعر مستوى 4,245 دولارًا للأونصة، قبل أن يتراجع قليلاً ليستقر حول 4,080 دولارًا بنهاية الأسبوع. يدخل الذهب هذا الأسبوع منطقة الخطر، متأثرًا باقتراب انتهاء صلاحية عقود الخيارات الخاصة بشهر ديسمبر. نتوقع أن ينخفض سعر الذهب إلى مستويات 3,800-4,000 دولارًا للأونصة خلال الأسبوعين القادمين، قبل أن يتعافى بشكل تدريجي تمهيدًا للصعود مجددًا في ربيع 2026.
💡 توقعات خبراء أموال: سيوفر التصحيح المتوقع في النصف الثاني من نوڤمبر فرصة شراء ممتازة للمستثمرين طويلي المدى. حيث نتوقع أن يصل الذهب إلى مستويات قياسية جديدة في بداية 2026، تمهيدًا للوصول إلى مستويات 4,900-5,200 دولار في مارس-أبريل 2026.
الخلاصة
تواجه الأسواق العالمية قدرًا كبيرًا من الضبابية وعدم اليقين. فحتى مع انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي الأطول في التاريخ، مازلنا لا نعلم بعد مدى تأثير الفجوة في البيانات الاقتصادية على السياسة النقدية. وفي نفس الإطار، يظل الفيدرالي منقسمًا بشكل كبير، والأسواق تتأرجح بين الأمل والخوف دون اتجاه واضح.
ستكون الأسابيع القادمة حاسمة بشكل كبير. حيث سيحدد اجتماع الفيدرالي في ديسمبر مسار السياسة النقدية المبدئي لعام 2026. وكذلك ستظهر نتائج Nvidia المنتظرة مدى صلابة أو هشاشة قطاع الذكاء الاصطناعي.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات.



