الأسهم تستمر في الهبوط، وبتكوين مازال يعاني
تصحيح حاد في أسهم التكنولوجيا يثير تساؤلات حول فقاعة الذكاء الاصطناعي، والذهب مازال صامدًا
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
شهدت الأسواق المالية العالمية أسبوعًا مضطربًا حيث تعرضت الأسهم لأول تصحيح حقيقي منذ أشهر وسط مخاوف متصاعدة من انتهاء “فقاعة الذكاء الاصطناعي”. على صعيد آخر، أعلنت اليابان عن أضخم حزمة تحفيز منذ جائحة كورونا بقيمة 135 مليار دولار، لكن الأسواق ردّت بقلق بدلًا من الارتياح، حيث هبط الين إلى أدنى مستوياته في 10 أشهر. وفي أوروبا، حصلت إيطاليا على أول ترقية ائتمانية منذ 23 عامًا من وكالة Moody’s، في إشارة نادرة للتفاؤل بشأن اقتصادات منطقة اليورو. واستقر الذهب عند 4,100 دولار للأونصة، بينما واصل بتكوين نزيفه الحاد ليخسر نحو 10% خلال الأسبوع ويهبط إلى 80,000 دولار.
نستعرض في نشرة هذا الأسبوع التصحيح الحاد في أسهم التكنولوجيا والجدل المتصاعد حول فقاعة الذكاء الاصطناعي، ونحلل التحولات المالية والنقدية في آسيا وأوروبا، ونرصد ديناميكيات حركة سعر الذهب وبتكوين.
أسهم التكنولوجيا تهتز بفعل مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي
سؤال واحد طغى على النقاشات في وول ستريت هذا الأسبوع: هل نشهد بداية انتهاء فقاعة الذكاء الاصطناعي؟ فبعدما قادت أسهم التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي صعود الأسواق خلال 2025، أصبحت هذه القيادة في الأسابيع الأخيرة موضع تساؤل. كان الحدث الأبرز هو نتائج Nvidia الفصلية. الشركة، التي يُعد سهمها أحد أهم الأسهم في طفرة الذكاء الاصطناعي، أعلنت أرباحًا وتوقعات فاقت كل التقديرات بفارق كبير. في البداية، قفز السهم بنسبة 5%، لكن المفاجأة جاءت في اليوم التالي، حيث انعكس أداء السهم بشكل درامي وأغلق على تراجع بمقدار 9% في يوم واحد، من 196 دولار إلى 180 دولار، حيث استغل المستثمرون الأخبار الإيجابية لجني الأرباح بعد المكاسب الهائلة خلال 2025. أضر هذا الانعكاس بمعنويات السوق بشكل عام وأدى إلى انخفاض كافة المؤشرات الرئيسية، حيث انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 1.55%، وانخفض كذلك مؤشر Nasdaq بنسبة 2.4%.
لم تقتصر الأضرار فقط على Nvidia، فقد شهدت شركة Oracle انهيارًا بنسبة 50% في سهمها من القمة التي وصلها في بداية سبتمبر. كانت Oracle قد راهنت بكثافة على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي عبر ديون ضخمة، فأدى التحول الأخير في معنويات المخاطرة في الأسواق إلى انسحاب عدد كبير من المستثمرين من سهم الشركة خوفًا من سلامتها المالية. حتى Amazon، عملاق الحوسبة السحابية الأهم في العالم، ظل مستقرًا دون تغيير منذ بداية العام رغم صعود السوق، وMicrosoft، المستثمر الأكبر في OpenAI، حققت عائدًا متواضعًا بنسبة 12% فقط.
كما ساهم عامل آخَر في الضغط على الأسواق، فقد أدى الهبوط واسع المدى خلال الأسبوع الأخير إلى موجة تصفية ضخمة في سوق عقود الخيارات (Options) للمستثمرين الذين كانوا يراهنون بكثافة على استمرار صعود أسهم التكنولوجيا والعملات الرقمية. فأجبر هبوط الأسهم وانهيار بتكوين الكثيرين على تصفية مراكزهم في كلا السوقين لتغطية الخسائر، ما خلق دوامة بيع متسارعة.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن التصحيح الحالي يمثل تصفية صحية للمراكز المُفرطة في التفاؤل أكثر من كونه انهيارًا هيكليًا. ما تزال الشركات الكبرى مثل Nvidia وGoogle تمتلك أساسيات قوية وتدفقات نقدية ضخمة، ولذلك نتوقع استقرار القطاع خلال الأسابيع القادمة. في محافظ أموال، اتخذنا موقفًا دفاعيًا حتى تنتهي موجة تصفية مراكز المراهنة في السوق، وسنعمل على زيادة معدل المخاطرة في محافظنا تدريجيًا مع عودة السيولة المالية للأسواق.
المشهد في أوروبا مازال ضبابيًا رغم الأخبار الإيجابية من إيطاليا
حملت أوروبا مفاجأة إيجابية هذا الأسبوع حيث قررت وكالة Moody’s رفع التصنيف الائتماني لإيطاليا من Baa3 إلى Baa2، في أول ترقية ائتمانية للبلاد منذ 23 عامًا. أشادت الوكالة بـ”الاستقرار السياسي” في عهد حكومة جورجيا ميلوني، وبتقدُّم روما في تنفيذ إصلاحات خطة التعافي الأوروبية.
في المقابل، أكدت Moody’s تصنيف بريطانيا عند Aa3 مع نظرة مستقبلية مستقرة، لكنها ربطت ذلك صراحة بتوقعات أن تتضمن موازنة نوفمبر إجراءات للالتزام بالقواعد المالية. ستُقدم وزيرة الخزانة راشيل ريفز الموازنة في 26 نوفمبر القادم، ويُتوقع أن تتضمن زيادات ضريبية بقيمة 20-30 مليار جنيه استرليني لكبح الاقتراض المتزايد. بلغ الاقتراض العام البريطاني في النصف الأول من السنة المالية 117 مليار جنيهًا استرلينيًا، أعلى من التوقعات بنحو 10 مليارات، وهو الأعلى لهذه الفترة منذ 2020. وذلك يضع الخزانة في موقف صعب، فقد تُرضي أي موازنة تقشفية الأسواق، لكنها ستضغط على النمو الاقتصادي في ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة بالفعل.
على صعيد السياسة النقدية، يبدو البنك المركزي الأوروبي مطمئنًا لمستويات الفائدة الحالية. حيث أكد نائب رئيس البنك لويس دي غيندوس أن البنك يرى أن التضخم في طريقه للعودة إلى 2% دون الحاجة للمبالغة في خفض الفائدة. إذ يتأرجح التضخم في منطقة اليورو حاليًا حول مستويات 3.8%، واحتمالية خفض الفائدة في ديسمبر “قريبة من الصفر” حسب تسعير الأسواق.
آسيا: بين التحفيز الياباني الضخم والتباطؤ الصيني
كشفت اليابان هذا الأسبوع عن حزمة تحفيز ضخمة بقيمة 21.3 تريليون ين (135 مليار دولار)، وهي الأكبر منذ جائحة كورونا، في أول مبادرة كبرى لرئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي. تشمل الحزمة الجديدة 17.7 تريليون ين في الإنفاق المالي و2.7 تريليون ين في صورة تخفيضات ضريبية، بهدف دعم الأسر المتضررة من التضخم وتحفيز النمو.
كانت ردة فعل الأسواق على الأخبار سلبية بشكل لافت. حيث هبط الين إلى 158 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى في 10 أشهر، بينما قفزت عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوياتها منذ 17 عامًا. المستثمرون قلقون من أن التوسع المالي الضخم سيزيد من عبء الدين الياباني، الأعلى بين الدول المتقدمة عند 260% من الناتج المحلي الإجمالي. انخفاض سعر الين رغم ارتفاع العوائد على السندات يشير إلى أن الأسواق تعتقد أن البنك المركزي الياباني سيظل متساهلاً مقارنة بنظرائه في الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة مع ضغوط الحكومة الجديدة عليه لتجنب رفع الفائدة أثناء تنفيذ إجراءات الحفز المالي.
أما الصين، فتواجه تحديات من نوع مختلف. جاءت بيانات أكتوبر مخيبة للآمال، حيث حقق الإنتاج الصناعي نموًا بنسبة 4.9% فقط على أساس سنوي، وهو الأضعف منذ منتصف 2024، بينما ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 2.9% فقط، وهي الأدنى منذ أكثر من عام. تعكس هذه الأرقام ضعفًا مستمرًا في الطلب المحلي وضغوطًا متصاعدة من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. على الصعيد النقدي، قرر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) تثبيت أسعار الفائدة للشهر السادس على التوالي، لكن مع استمرار تباطؤ النمو تتزايد التوقعات بأن بكين ستضطر لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة قريبًا لتجنب الانزلاق نحو انكماش هيكلي.
الذهب مازال صامدًا رغم ضغوط عقود الخيارات
حافظ الذهب على مستوياته المرتفعة هذا الأسبوع، منهيًا التداولات قرب 4,100 دولارًا للأونصة بتراجع طفيف لا يتجاوز 0.5%. اللافت أن الذهب ظل صامدًا رغم ارتفاع قوة الدولار وارتفاع العوائد في اليابان، وهي عوامل تضغط عادة على السعر. يتماشى هذا الصمود مع توقعاتنا في الأعداد السابقة، حيث أشرنا إلى أن نطاق 3,800-4,000 دولار يمثل منطقة دعم مؤقتة.
يمثل انتهاء صلاحية عقود الخيارات يوم الاثنين 24 نوفمبر أهم اختبار للذهب في نوڤمبر. سعر التوازن لهذه العقود (Max-Pain Price) يقع حاليًا عند 3,940 دولار. تاريخيًا، يميل الذهب للتراجع نحو هذا المستوى قبل انتهاء صلاحية العقود. إذا تراجع الذهب في بداية الأسبوع نحو هذه المستويات، نتوقع أن يجد دعمًا قويًا فوق مستوى 3,900 دولارًا.
💡 توقعات خبراء أموال: نحافظ على نظرتنا الإيجابية للذهب على المدى المتوسط. هدف الهبوط الأساسي للأسبوع القادم هو نطاق 3,900-4,000 دولار، لكننا نتوقع أن يكون هذا التراجع مؤقتًا وأن يمثل فرصة شراء ممتازة للمستثمرين طويلي المدى. كما أشرنا في الأعداد السابقة، ما زالت أهدافنا طويلة المدى تتراوح بين 4,900-5,200 دولارًا للأونصة خلال مارس-أبريل 2026.
بتكوين يواصل النزيف
تراجعت العملة الرقمية الرائدة هذا الأسبوع بنحو 9% لتهبط إلى 80,000 دولار، قبل أن تتعافى مجددًا وترتفع إلى مستويات 86,000 دولار. من قمته فوق 125,000 دولار في سبتمبر، خسر بتكوين نحو 35% من قيمته. ما يميز هذه الدورة عن سابقيها هو المدة الطويلة التي يقضيها بتكوين في التداول في نطاقات محدودة نسبيًا، دون تحقيق عوائد عملاقة، كما كان الحال في الدورات السابقة. على مدار عام كامل تقريبًا، تأرجح بتكوين في بين 75,000 و125,000 دولار دون تحقيق الصعود المتسارع الذي يحدث عادة في نهاية دورات بتكوين التقليدية. هذا التداول المستقر دون اتجاه صاعد واضح أنهك المتداولين وأفرغ السوق من الحماس.
يأتي الطلب على بتكوين هذا العام بشكل رئيسي من مصدرين: صناديق الاستثمار (ETFs) وشركات مثل MicroStrategy التي تشتري بتكوين بشكل دوري. لكن يبدو أن هذا الطلب المؤسسي قد بدأ في التباطؤ، وفي غياب مشترين جدد يبقى بتكوين عرضة للمزيد من الضعف. على المدى البعيد، من المرجح أن تتحسن دورة السيولة العالمية في 2026 مع توقعات خفض الفيدرالي للفائدة. كما أن فشل بتكوين في تحقيق قمة في الربع الأخير من 2025 (كما حدث في 2013 و2017 و2021) قد يكسر نمط “الدورة الرباعية” ويعيد ضبط التوقعات بشكل إيجابي.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن البتكوين يقترب من قاع مؤقت لموجة الهبوط الحالية، مع وجود دعم قوي عند منطقة 70,000-75,000 دولار. لكننا ننصح بالحذر على المدى القصير، حيث لم تظهر بعد علامات واضحة على الارتداد. للمستثمرين طويلي الأجل، المستويات الحالية توفر فرصة شراء تراكمي تدريجية (Dollar Cost Averaging)، مع توقع استمرار التقلبات الحادة. تخارجت محافظنا الاستثمارية من بتكوين تدريجًا في مستويات 105,000 إلى 115,000 دولار، وننتظر الآن حدوث تحول إيجابي في العوامل المؤثرة في حركة السوق لإعادة تقييم موقفنا.
الخلاصة
تمر الأسواق العالمية بلحظة فارقة. التصحيح في أسهم التكنولوجيا يختبر صلابة أطروحة الذكاء الاصطناعي، بينما تتباين مسارات السياسات الاقتصادية بشكل حاد: اليابان تتوسع مالياً بقوة، بريطانيا تتجه للتقشف، والصين تكافح لإنعاش الطلب.
في هذه البيئة، يبرز الذهب كملاذ مفضل، محافظاً على مكاسبه القياسية رغم التقلبات المحيطة. في المقابل، يُظهر البتكوين أنه لم يثبت بعد مكانته كـ”ذهب رقمي” - حيث صمد الذهب بينما انهار البتكوين، وهي فجوة يجب على العملة الرقمية سدّها لكسب ثقة المؤسسات.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
الأربعاء 26 نوفمبر: محضر اجتماع الفيدرالي الأمريكي وبيانات التضخم.
الخميس 27 نوفمبر: الموعد النهائي لخطة السلام الأمريكية لأوكرانيا.
الجمعة 29 نوفمبر: بيانات التضخم الأولية لمنطقة اليورو.
💡 نوصي في أموال بالحفاظ على تعرض متوازن للذهب كأداة تحوط، مع الحذر تجاه الأسهم وبتكوين حتى تتضح الصورة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.



