الأسواق العالمية تتأرجح بين الخوف من التضخم والأمل في السلام
قمة ألاسكا تجدد آمال السلام، والفيدرالي يواجه معضلة التضخم المستعصي
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
دخلت الأسواق المالية العالمية منتصف أغسطس 2025 في حالة من الترقب الحذر، حيث تتأرجح بين واقعين متناقضين. تضخم أمريكي يرفض الانصياع لتوقعات الفيدرالي من جهة، وبصيص أمل غير متوقع في إنهاء الحرب الأوكرانية من جهة أخرى. فبينما فاجأت بيانات التضخم الأمريكية الأسواق بارتفاع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي إلى 3.1% سنويًا - أعلى مستوى في خمسة أشهر - جاء لقاء القمة التاريخي بين ترامب وبوتين في ألاسكا ليُعيد رسم خريطة المخاطر الجيوسياسية.
سجّل مؤشر S&P 500 تذبذبًا حادًا خلال الأسبوع، مرتدًا من قمم تاريخية جديدة بعد صدمة بيانات أسعار المنتجين التي قفزت بأسرع وتيرة في ثلاث سنوات. في المقابل، تنفست الأسواق الأوروبية الصعداء، حيث لامس مؤشر STOXX 600 أعلى مستوياته في خمسة أشهر، مدعومًا بتحسن ملحوظ في معنويات المستثمرين على خلفية احتمالات السلام.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع كيف تتفاعل الأسواق الرئيسية مع هذه التطورات المتضاربة، ونحلل التداعيات المحتملة لقمة ألاسكا على مستقبل الاقتصاد الأوروبي، مع التعمق في معضلة الفيدرالي المعقدة بين محاربة التضخم ودعم النمو المتباطئ.
قمة ألاسكا.. نقطة تحول جيوسياسية بتداعيات اقتصادية محتملة
كان اللقاء غير المسبوق بين الرئيسين ترامب وبوتين في ألاسكا يوم 15 أغسطس هو الحدث الأبرز هذا الأسبوع. القمة الأولى وجهًا لوجه منذ بداية الحرب الأوكرانية حملت في طياتها إمكانية إنهاء أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. خلال المحادثات، طالب بوتين باستمرار السيطرة الروسية على المناطق التي احتلتها بالفعل (حوالي 22% من الأراضي الأوكرانية)، بالإضافة إلى الالتزام ببقاء أوكرانيا كطرف محايد على خط التماس بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ومقابل ذلك تتعهد روسيا بوقف القتال والامتناع عن السيطرة على أراضٍ أوكرانية إضافية. أبلغ ترامب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعرض بوتين، مشددًا على ضرورة "عقد صفقة"، ومبررًا ذلك بأن "روسيا قوة عظمى، في حين لا تُعتبر أوكرانيا كذلك". رغم تمسك الجانب الأوروبي بضرورة التوصل أولًا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار قبل بدء مفاوضات السلام، تغيّر موقف ترامب بعد لقائه مع بوتين. فقد تبنّى الطرح الروسي الساعي إلى سلام شامل ومباشر، بدلًا من الاكتفاء بوقف مؤقت يتيح لأوكرانيا فرصة إعادة تنظيم صفوفها تمهيدًا لاستئناف القتال.
كان رد فعل الأسواق فوريًا وإيجابيًا. حيث تفوقت الأسهم الأوروبية على نظيراتها الأمريكية، مدفوعة بالتفاؤل بأن عبء الحرب على المعنويات وأسعار الطاقة قد يخف قريبًا. في المقابل، تأثرت أسعار النفط والذهب سلبًا مع التراجع المحتمل للمخاطر الجيوسياسية.
💡 توقعات خبراء أموال: رغم عدم التوصل إلى اتفاق نهائي، إلا أن مجرد فتح قناة حوار مباشر يُمثل تطورًا إيجابيًا، خاصة مع الدفع الأمريكي المستمر نحو الوصول إلى تسوية شاملة. نتوقع استمرار التقلبات في أسواق الطاقة والأصول الأوروبية مع تطور المفاوضات. في حال التوصل حتى لوقف إطلاق نار مؤقت، قد نشهد ارتفاعًا قويًا في الأسهم الأوروبية بنسبة 5-8% وانخفاضًا إضافيًا في أسعار النفط نحو 60 دولارًا للبرميل.
التضخم الأمريكي يرتفع من جديد بفعل الرسوم الجمركية
جاءت بيانات التضخم الأمريكية لشهر يوليو كصدمة للأسواق التي كانت تراهن على استمرار التراجع التدريجي نحو هدف الفيدرالي عند 2%. ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بنسبة 0.3% شهريًا، دافعًا المعدل السنوي إلى 3.1%، في إشارة واضحة إلى أن معركة الفيدرالي مع التضخم لم تنته بعد. الأسوأ من ذلك، قفز مؤشر أسعار المنتجين بنسبة كبيرة بلغت 0.9% شهريًا - الأسرع في ثلاث سنوات - مع تسجيل أسعار المنتجين الأساسية أكبر زيادة شهرية على الإطلاق.
ما يُثير القلق بشكل خاص هو دور الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة ترامب في 7 أغسطس، والتي رفعت متوسط الرسوم على الواردات الأمريكية إلى 17.6%، أعلى مستوى منذ ثلاثينيات القرن الماضي. أضافت هذه الصدمة التجارية طبقة جديدة من الضغوط التضخمية على اقتصادٍ يُعاني أصلًا من ارتفاع تكاليف الخدمات.
يُشير التفاوت بين أسعار المنتجين والمستهلكين إلى أن الشركات الأمريكية مازالت تتحمل جزءًا كبيرًا من عبء الرسوم الجمركية مضحيةً بجزء من هوامش أرباحها، لكن هذا الوضع قد لا يستمر طويلًا، ما يشير إلى احتمالية تحول الارتفاع الحالي في أسعار المنتجين إلى المزيد من الارتفاع في مؤشر التضخم الرئيسي خلال الشهور القادمة.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يظل التضخم عالقًا حول 3% خلال الأشهر المقبلة، مع احتمال ارتفاعه مؤقتًا فوق هذا المستوى إذا استمرت الشركات في تمرير تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين. سيُعقد هذا السيناريو مهمة الفيدرالي ويُبقي الأسواق في حالة توتر مستمر.
الفيدرالي في مأزق.. والأسواق تُراهن على خفض سبتمبر
يواجه الاحتياطي الفيدرالي الآن معادلة شديدة التعقيد. من جهة، هناك دلائل متزايدة على تباطؤ سوق العمل والنشاط الاقتصادي، ومن جهة أخرى، يرفض التضخم العودة إلى المستهدف ويُظهر بوادر إعادة تسارع بفعل الرسوم الجمركية. أدى هذا التناقض إلى انقسام حاد خلال الاجتماع الأخير لمجلس الفيدرالي، حيث سجل عضوان اعتراضهما على قرار تثبيت الفائدة، وهو أمر نادر الحدوث.
كريستوفر والر، المرشح الأبرز لخلافة باول في رئاسة الفيدرالي، قلل من شأن التأثير التضخمي للرسوم الجمركية، واصفًا إياه بأنه "تأثير مؤقت" لن يستمر العام المقبل. يعكس هذا الموقف رغبة عدد من صناع القرار داخل الفيدرالي إلى تجاهل صدمة الرسوم الجمركية والتركيز على دعم النمو المتباطئ. في المقابل، يُحذر الجانب الآخَر داخل الفيدرالي من أن التضخم مازال متماسكًا عند مستويات 3% وليس على مسار واضح نحو الهبوط، ما يجعل أي خفض للفائدة سابقًا لأوانه وربما خطيرًا.
رغم هذا الانقسام، تُصر الأسواق على تسعير احتمال خفض الفائدة في سبتمبر بنسبة تتجاوز 85%، بل وتتوقع خفضين على الأقل بحلول نهاية العام.
💡 توقعات خبراء أموال: هناك اختلال متنامٍ في العرض والطلب في سوق السندات الأمريكية مدفوعًا بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متعددة، والاحتياطي الفيدرالي هو المؤسسة الوحيدة في العالم التي تملك ميزانية عملاقة ومرنة بما يكفي لملء هذا الفراغ. في ظل هذه الظروف، يبدو أن تآكل استقلالية الفيدرالي أمر محتوم على المدى الطويل، خصوصًا في ظل إدارة ترامب. على المدى القصير والمتوسط ، نتوقع استمرار سياسات ترامب المالية الداعمة للنمو، وكذلك التحول في السياسة النقدية إلى المزيد من التيسير، مع تجاهل مستهدف التضخم التاريخي (2%) خاصة بعد خروج باول من المشهد. يدعم هذا التوجه أصول المخاطرة (الأسهم، والذهب، وبيتكوين)، لكن على المدى الطويل، قد يؤدي التآكل التدريجي لاستقلالية الفيدرالي إلى فقدان السيطرة على التضخم.
الذهب يتراجع مؤقتًا.. وبتكوين مازال متماسكًا
تراجع الذهب خلال الأسبوع بنحو 1.85% ليستقر حول 3,335 دولارًا للأونصة، مدفوعًا بارتفاع العوائد الحقيقية بعد بيانات التضخم الأمريكية، ثم انخفاض الطلب على الملاذات الآمنة بسبب السلام المرتقب في أوروبا.
رغم هذا الانخفاض، يبقى الذهب قريبًا من أعلى مستوياته التاريخية. وحتى مع التراجع المؤقت ارتفعت نسبة رهانات الصعود في عقود الذهب الآجلة هذا الأسبوع، ما يعني أن نسبة أكبر من المستثمرين يستغلون التراجع الحالي لشراء الذهب، استعدادًا لارتفاع السعر مرة أخرى.
في الوقت نفسه، استقر بتكوين حول مستوى 118,000 دولار، دون تغيير يُذكر خلال الأسبوع وقريبًا من أعلى مستوياته على الإطلاق. حركة سعر العملة الرقمية الرائدة، التي تضاعفت قيمتها خلال الـ12 شهر الماضية، تعكس حالة التوازن الدقيق في معنويات المخاطرة. من جهة، انخفاض التوتر الجيوسياسي بالتوازي مع توقعات خفض الفائدة يُمثلان دافعًا إيجابيًا لسيولة العملات الرقمية وأصول المخاطرة بشكل عام. من جهة أخرى، ارتفاع العوائد الحقيقية على المدى القريب يربك الأسواق. في غياب أخبار خاصة بالعملات الرقمية، يتداول بتكوين بشكل مماثل لأسهم التكنولوجيا عالية النمو، والتي لم تتحرك هي الأخرى بشكل لافت هذا الأسبوع.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن التصحيح الحالي في أسعار الذهب صحي وضروري. ونتوقع دعمًا قويًا عند مستوى 3,250-3,300 دولار، مع استئناف الاتجاه الصاعد نحو 3,500-3,750 دولار خلال الربع القادم إذا تحققت توقعات خفض الفيدرالي للفائدة أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية مجددًا. بخصوص بتكوين، نتوقع استمرار الزخم الإيجابي خاصةً مع استمرار السياسات المالية والنقدية الداعمة للنمو في الولايات المتحدة.
الخلاصة
تدخل الأسواق النصف الثاني من أغسطس وهي تُوازن بحذر بين قوى متضاربة، التضخم الأمريكي والمخاوف من تباطؤ النمو تُقابلها آمال السلام في أوروبا والتيسير النقدي المحتمل. ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
محضر اجتماع الفيدرالي (الأربعاء 20 أغسطس): سيُدقق المستثمرون في تفاصيل النقاش الداخلي، خاصة أسباب معارضة عضوي المجلس والر وباومان لقرار الفائدة الأخير، وموازنة المخاوف بين التضخم والنمو.
خطاب باول في جاكسون هول (22-24 أغسطس): خطاب باول يوم الجمعة هو الحدث الأبرز. رغم التوقعات بنبرة محايدة، أي إشارة غير متوقعة قد تُحرك الأسواق بقوة.
مفاوضات أوكرانيا: زيارة زيلينسكي المقررة لواشنطن يوم الاثنين قد تزيل الغموض حول المفاوضات الجارية.
مؤشرات PMI الأولية (الخميس): ستُظهر ما إذا كان التصنيع لا يزال في انكماش وما إذا كان قطاع الخدمات يحافظ على التوسع.
نتائج إنڤيديا (الأربعاء): عملاق الرقائق الذي يقود ثورة الذكاء الاصطناعي تحت المجهر. أي إشارة لتباطؤ الطلب قد تُشعل موجة بيع في أسهم التكنولوجيا.
💡 في أموال، نحافظ على موقف متوازن مع ميل نحو المخاطرة. مازلنا نحتفظ بمراكز تكتيكية في الذهب وبتكوين، مع الاستعداد لخفض التعرض لأصول المخاطرة إذا طرأ تحول على البيانات الاقتصادية أو على موقف الفيدرالي.