الأسواق العالمية تستمر في الارتفاع مع تصاعد التوترات الجيوسياسية
الفيدرالي يخفض الفائدة، والأسواق تترقب حركة السياسة النقدية في 2026
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.75%، لكنه فاجأ الأسواق بتوقعاته المتحفظة للعام المقبل. احتفت الأسهم الأمريكية بالقرار، حيث قفز مؤشر S&P 500 بنسبة 0.7% ليسجل أعلى مستوى منذ أواخر أكتوبر، بينما حقق مؤشر Russell 2000 للشركات الصغيرة رقمًا قياسيًا جديدًا بارتفاع 2.5%، قبل أن تتراجع الأسهم مجددًا يوم الجمعة. على صعيد آخر، اتخذت أوروبا قرارًا تاريخيًا بتجميد 210 مليار يورو من الأصول الروسية لتمويل قرض ضخم لأوكرانيا، فيما صعّد الرئيس ترامب الضغوط على ڤنزويلا بالاستيلاء على ناقلة نفط تحمل 1.8 مليون برميل.
نستعرض في عدد اليوم تداعيات قرار الفيدرالي على الأسواق العالمية، ونرصد التطورات الجيوسياسية المختلفة، ونتابع حركة الذهب ويبكوين في ظل هذه المتغيرات.
الفيدرالي يخفض الفائدة ويُشير إلى تباطؤ التخفيضات في 2026
خفّض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يوم 10 ديسمبر أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من 4.0% إلى 3.75%، في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع من الأسواق. جاء القرار مدفوعًا بما وصفه رئيس الفيدرالي جيروم باول بـ”بعض الضعف” في بيانات سوق العمل، مع استمرار التضخم في الانخفاض التدريجي نحو المستهدف عند 2%. لكن الأهم من قرار الفائدة هو أن توقعات الفيدرالي أشارت إلى خفض واحد فقط للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إضافية خلال عام 2026 بأكمله، وهو ما يعكس نهجًا أكثر حذرًا تجاه المستقبل مقارنة بتوقعات السوق التي كانت تسعّر خفضين أو ثلاثة.
في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القرار، شدد باول على أن التحركات المقبلة ستعتمد على البيانات الاقتصادية، مشيرًا إلى وجود مخاطر ملحوظة في سوق العمل تبرر التوقف المؤقت عن خفض الفائدة. وكشف محضر الاجتماع عن انقسام حاد داخل الفيدرالي، حيث سُجّلت أصوات معارضة من بعض الأعضاء الذين دعوا إلى خفض أكبر (بمقدار 50 نقطة أساس)، بينما عارض آخرون أي خفض للفائدة على الإطلاق. يعكس هذا الانقسام حالة عدم اليقين التي تحيط بالمشهد الاقتصادي الأمريكي بشكل عام، خاصة في ظل تأخر نشر بيانات الوظائف الحيوية بسبب الإغلاق الحكومي السابق.
على الرغم من التحذيرات المتحفظة، فسّرت الأسواق القرار على أنه إشارة إيجابية تؤكد توجه الفيدرالي نحو التيسير النقدي. وقفزت الأسهم الأمريكية بشكل ملحوظ، حيث ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 1% ليصل إلى 6,900 نقطة، وانخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط ليستقر عند 4.150%. لكن هذا التفاؤل الأولي تبدد جزئيًا يوم الجمعة، حيث انخفض S&P500 مرة أخرى منهيًا أسبوع التداول عند 6,827 نقطة، وارتفعت عوائد السندات بعد يومين متتاليين من الانخفاض. جاء ذلك على خلفية انتهاء فترة الصمت الإعلامي لمسؤولي الفيدرالي، حيث أدلى عدد كبير منهم بتصريحات كشفت عن حدة الخلاف. كما أعرب الأعضاء الذين صوتوا ضد خفض الفائدة عن قلقهم من أن التضخم لا يزال مرتفعًا بشكل لا يبرر خفض تكاليف الاقتراض، خاصة في ظل غياب البيانات الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي السابق.
في تطور موازٍ، أكد مسؤولو الفيدرالي أن برنامج التشديد النقدي (Quantitative Tightening) انتهى فعليًا في الأول من ديسمبر بعد تخلص الفيدرالي من حوالي 2.2 تريليون دولار من الأصول منذ عام 2021. من الآن فصاعدًا، سيعيد الفيدرالي قروض الرهن العقاري (Mortgage-Backed Securities) التي يأتي موعد استحقاقها في سندات الخزانة. والأهم من ذلك، سيبدأ الفيدرالي قريبًا ما يُسمى بـ”عمليات إدارة الاحتياطيات” عبر شراء أذون الخزانة قصيرة الأجل (T-bills) للحفاظ على سيولة مناسبة في النظام المصرفي. هذا التحول يعني أن الفيدرالي سيبدأ في ضخ السيولة في النظام المالي في وقت أبكر مما كان متوقعًا، ما يعزز البيئة الداعمة للاستثمار.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يتوقف الفيدرالي مؤقتًا عن خفض الفائدة في اجتماع يناير 2026، ثم تضطره البيانات الاقتصادية إلى استئناف الخفض مجددًا ابتداءًا من اجتماع مارس. نتوقع أن يصل معدل الفائدة إلى نطاق 3.0-3.25% بحلول منتصف 2026.
أوروبا تجمّد الأصول الروسية وترامب يصعّد ضد ڤنزويلا
على الصعيد الجيوسياسي، شهد الأسبوع تطورات لافتة على جبهتين متباعدتين جغرافيًا لكنهما تتقاطعان في تأثيرهما على الأسواق المالية العالمية. في خطوة تاريخية، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي يوم 12 ديسمبر على تجميد 210 مليار يورو من احتياطيات البنك المركزي الروسي لأجل غير مسمى.
الأهم أن القرار يمهد الطريق لاستخدام جزء من هذه الأصول المجمدة لتمويل قرض أوروبي ضخم لأوكرانيا بقيمة تصل إلى 165 مليار يورو للفترة 2026-2027. القرض، الذي سيُسدد فعليًا من تعويضات الحرب الروسية المستقبلية، يمثل آلية مالية مبتكرة لدعم كييڤ دون تحميل دافعي الضرائب الأوروبيين أعباء إضافية مباشرة. رحبت أوكرانيا بالقرار ووصفته بـ”الخطوة التاريخية” نحو إجبار روسيا على دفع ثمن الحرب التي بدأتها. في المقابل، عارض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان القرار بشدة، محذرًا من أنه قد “يلحق ضررًا لا يمكن إصلاحه” بالاتحاد الأوروبي وعلاقاته التجارية. التداعيات المالية للقرار واضحة: تصاعد مخاطر الصراع الجيوسياسي يعزز الطلب على أصول الملاذ الآمن كالذهب والسندات، بينما يضع ضغطًا إضافيًا على اليورو والأصول المرتبطة بروسيا.
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 10 ديسمبر أن القوات الأمريكية استولت على ناقلة نفط كبيرة قبالة سواحل ڤنزويلا. الناقلة، التي تحمل ما يقرب من 1.8 مليون برميل من الخام الڤنزويلي، كانت خاضعة لنظام عقوبات أمريكي. حيث قفزت أسعار النفط بشكل مؤقت على خلفية الخبر، وارتفع خام برنت بنسبة 0.4% ليصل إلى 62.21 دولار للبرميل، ما يعكس مخاوف من احتمال تشديد المعروض النفطي. تلك الحادثة تحمل دلالات واسعة. ترامب كان قد أشار سابقًا إلى احتمال توجيه ضربات عسكرية إذا لم يتنحى الرئيس الڤنزويلي نيكولاس مادورو، والاستيلاء على الناقلة يشير إلى أن الإدارة الأمريكية قد تتبنى نهجًا أكثر عدوانية في إنفاذ العقوبات خلال عام 2026، قد يرقى حتى إلى غزو مباشر لڤنزويلا.
تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه الأسواق بالفعل حالة من الترقب الدائم بسبب توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. والنتيجة تتمثل في تعزيز الطلب على أصول الملاذ الآمن - وهو ما يفسر جزئيًا الأداء القوي للذهب والفضة هذا الأسبوع.
الذهب يواصل الارتفاع
في ظل البيئة الداعمة من التيسير النقدي وتصاعد التوترات الجيوسياسية، حقق الذهب أداءً لافتًا خلال الأسبوع. حيث ارتفع الذهب بنسبة 2.5% ليتداول حول مستوى 2,300 دولارًا للأونصة، مدفوعًا بعاملين رئيسيين: انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية في أعقاب قرار الفيدرالي، وارتفاع مخاطر الصراع الجيوسياسي مع قرار الاتحاد الأوروبي تجميد الأصول الروسية واستيلاء إدارة ترامب على ناقلة النفط الفنزويلية. الذهب، الذي يُعتبر تقليديًا ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين، استفاد من تدفقات رأس المال الباحث عن الحماية من مخاطر التضخم والصراعات السياسية. لكن الارتفاع الحاد قد يكون مبالغًا فيه على المدى القصير.
تشير نماذج أموال التحليلية إلى أن السيناريو الأرجح هو أن يشهد الذهب تصحيحًا معتدلًا نسبيًا خلال النصف الثاني من ديسمبر، منخفضًا إلى مستويات 4,200 إلى 4,250 دولار. هذا التصحيح المتوقع ليس مدعاة للقلق، بل هو جزء طبيعي من حركة سعر الذهب، حيث يحتاج السعر إلى بعض التوازن من حين لآخر ليستطيع الصعود مرة أخرى. على المدى المتوسط والطويل، تظل التطورات النقدية والمالية داعمة للذهب. حيث يجعل انخفاض أسعار الفائدة الذهب، الذي لا يدر عائدًا، أكثر جاذبية مقارنة بالسندات. كما أن تصاعد التوترات الجيوسياسية على جبهتين (أوروبا-روسيا والولايات المتحدة-فنزويلا) يعزز الطلب على الذهب كملاذ آمن تقليدي.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يشهد الذهب تصحيحًا معتدلًا خلال النصف الثاني من ديسمبر نحو نطاق 4,200-4,250 دولار، قبل استئناف الاتجاه الصاعد في مطلع عام 2026. هذا التصحيح المتوقع صحي وطبيعي، ويمثل فرصة للمستثمرين طويلي الأجل لبناء مراكز جديدة. المحرك الرئيسي الذي سيحدد اتجاه الذهب في يناير وفبراير هو ما إذا كانت الأسواق ستبدأ في تسعير تخفيضات إضافية من الفيدرالي، وهو ما سيدفع عائدات السندات للانخفاض ويوفر الدعم اللازم لصعود مستدام. نواصل النظر إلى الذهب كمكون أساسي في المحافظ الاستثمارية، ونرى أن أي تراجعات نحو 4,200 دولار تمثل فرص شراء جيدة للمستثمرين الذين فاتتهم موجة الصعود الأخيرة. على المدى المتوسط، نحافظ على توقعاتنا بأن يصل الذهب إلى قمة الدورة الحالية عند نطاق 4,900-5,200 دولار بحلول مارس 2026.
أزمة بتكوين مازالت مستمرة
تراجع بتكوين بنسبة 1.25% تقريبًا خلال الأسبوع ليتداول حول مستوى 90,000 دولار، رغم أن خفض الفائدة كان من المُفترض نظريًا أن يؤدي إلى ارتفاع الأصول الخطرة بشكل عام مثل العملات الرقمية. هذا التباين اللافت مع أداء الأسهم والذهب يشير إلى أن العملة الرقمية الأشهر تواجه ضغوطًا خاصة بها لا علاقة لها بالسياسة النقدية أو الوضع الاقتصادي العام.
تشير المقاييس الرئيسية التي نتابع من خلالها حركة بتكوين إلى أن حاملي بتكوين طويلي الأجل، الذين قد قاموا بشراء بتكوين منذ أكثر من 6 أشهر، يتحملون خسائر متزايدة ويقومون ببيع حصصهم عند أي ارتفاع طفيف للأسعار. هذا النمط، الذي يُسمى “التوزيع”، يعني أن المستثمرين الأوائل يخرجون من مراكزهم تدريجيًا، ما يضع ضغطًا هبوطيًا مستمرًا على السعر. في أسواق المشتقات، كانت أحجام العقود الآجلة والمشتقات منخفضة بشكل ملحوظ، وهو ما يُعتبر إشارة على ضعف الاهتمام المؤسسي. رغم أن السعر لم ينخفض بشكل لافت خلال الأسبوع، إلا أن غياب المحفزات الواضحة والضعف المؤسسي يجعل السوق أكثر عرضة لصدمات سلبية خلال الأسابيع القادمة.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع أن يبقى بتكوين متماسكًا ضمن نطاق 81,000-95,600 دولار حتى انتهاء صلاحية عقود الخيارات الضخمة في أواخر ديسمبر. اختراق مستوى 81,000 دولار للأسفل سيشكل إشارة سلبية قوية قد تفتح الباب لانخفاض نحو 70,000-75,000 دولار. ننصح بالحذر الشديد على المدى القصير، مع الانتظار حتى تظهر علامات واضحة على عودة السيولة والطلب المؤسسي.
الخلاصة
قرر الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة كما كان متوقعًا، لكن تحذيراته الصريحة من تباطؤ وتيرة خفض الفائدة في عام 2026 تضع سقفًا واضحًا للتوقعات المتفائلة. مع ذلك، فإن قرار إنهاء التشديد النقدي والاستعداد لبدء عمليات شراء أذون الخزانة (”إدارة الاحتياطيات”) يرسل إشارة قوية بأن الفيدرالي ملتزم بتوفير سيولة مناسبة للنظام المالي، وهو ما يُعد داعمًا للأسهم والأصول الخطرة على المدى البعيد.
على الصعيد الجيوسياسي، يتصاعد التوتر على جبهتين رئيسيتين: أوروبا تشدد الخناق على روسيا ماليًا عبر تجميد مئات المليارات من احتياطياتها لتمويل قرض ضخم لأوكرانيا، بينما يصعّد ترامب العقوبات على ڤنزويلا باستخدام القوة العسكرية للاستيلاء على ناقلات النفط. تدعم هذه التطورات الطلب على أصول الملاذ الآمن، ما يضيف دعمًا جديدًا للذهب. في المقابل، تظل أسواق العملات الرقمية تحت ضغط هيكلي واضح. بتكوين يتراجع رغم التيسير النقدي، مع استمرار تدفقات رأس المال خارج الصناديق المتداولة وضعف المعنويات العامة.
ما يجب مراقبته الأسبوع المقبل:
الثلاثاء 16 ديسمبر: تقرير الوظائف الأمريكي لشهر نوفمبر. تشير التوقعات إلى إضافة 50 ألف وظيفة فقط، وهو رقم منخفض بشكل حاد مقارنة بالأشهر السابقة. سيكون هذا التقرير حاسمًا في تحديد ما إذا كان الفيدرالي سيتوقف فعلًا في يناير أم سيضطر إلى خفض الفائدة إذا استمر ضعف سوق العمل. أي مفاجأة، سواء إيجابية أو سلبية، قد تحرك الأسواق بشكل كبير.
الخميس 18 ديسمبر: قمة قادة الاتحاد الأوروبي في برلين. ستضع القمة اللمسات الأخيرة على آليات تنفيذ قرض أوكرانيا البالغ 165 مليار يورو وكيفية استخدام الأصول الروسية المجمدة. أي تطورات أو خلافات قد تؤثر على اليورو والأسواق الأوروبية.
الجمعة 19 ديسمبر: قرار بنك اليابان. من المتوقع على نطاق واسع رفع الفائدة إلى 0.75%. الأهم من القرار نفسه ستكون التوجيهات المستقبلية، هل سيواصل البنك رفع الفائدة في 2026 أم سيتوقف مؤقتًا؟
💡 في أموال، نحافظ على تعرض كامل للذهب كملاذ آمن وأداة تحوط ضد تقلبات الأسواق. نبقى حذرين تجاه بتكوين حتى تظهر محفزات واضحة لعودة السيولة المؤسسية، وننصح بالانتظار قبل زيادة التعرض لهذا القطاع. نراقب عن كثب تطورات السياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى والبيانات الاقتصادية الحيوية لتعديل مواقفنا بما يتناسب مع المستجدات.
نود التنويه أن نشرة أموال ستتوقف خلال الـ 3 أسابيع القادمة، على أن نعاود النشر يوم الأحد 11 يناير 2026.



