الحرب التجارية تعود إلى صدارة المشهد
رسوم ترامب تشعل المشهد الاقتصادي مجددًا وتختبر قدرة الأسواق على الصمود
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
في تحول جديد للأحداث هذا الأسبوع، صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حدة الأزمة التجارية، مفاجئًا الأسواق بفرض رسوم جمركية شاملة جديدة تستهدف شركاء تجاريين رئيسيين منهم البرازيل وكندا والاتحاد الأوروبي. حيث قرر ترامب فرض رسوم جديدة بنسبة 50% على جميع الواردات من البرازيل، في خطوة وُصفت بأنها عقابية ضد حكومة البرازيل بسبب معاملتها لحليفه الرئيس السابق بولسونارو. وبحلول يوم الخميس، طرح ترامب فكرة رفع التعريفة الأساسية على جميع الواردات الأمريكية من 10% إلى 15%-20%، وهدد أكثر من عشرين دولة بزيادات وشيكة في الرسوم الجمركية اعتبارًا من 1 أغسطس.
لم يسلم من هذه الإجراءات الحلفاء المقربون، مثل كندا، التي رغم كونها جزءًا من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (USMCA)، تلقت قرارًا بفرض رسوم جمركية بنسبة 35% على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة. فضلًا عن الدول الأوروبية الكبرى، التي بدأت بالفعل في الاستعداد لتلقي رسائل تفصيلية حول الرسوم الجديدة، بعد أن فشلت المحادثات التي كان من المقرر أن تؤدي إلى اتفاق بحلول 9 يوليو.
وبرغم ذلك، أظهرت أسواق الأسهم الأمريكية مرونة ملحوظة، حيث انخفض مؤشر S&P500 بنسبة 0.3% فقط يوم الجمعة وأنهى الأسبوع دون تغير يُذكر.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية مع التطورات الاقتصادية وقرارات السياسة التجارية، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة.
الأسواق الأمريكية تستقر في وجه ضغوط ترامب
رغم عودة تهديدات الحرب التجارية هذا الأسبوع بعد قرارات ترامب الفجائية، جاء رد فعل الأسواق أكثر هدوءًا متجاهلًا تلك التهديدات. حيث حافظ مؤشر S&P500 على مكاسبه البالغة 6% تقريبًا منذ بداية العام، بل وسجل مستوى قياسيًا جديدًا يوم الخميس بتخطيه 6,280 دولارًا، قبل أن يتراجع بشكل طفيف بنهاية أسبوع التداول يوم الجمعة. وأنهى مؤشر Nasdaq ومؤشر Dow Jones الأسبوع دون تغيّر تقريبًا بانخفاض 0.4% و1.0% على التوالي.
كانت الأسواق قد دخلت في تصحيح حاد، في أبريل الماضي، أثناء الجولة الأولى من الرسوم الجمركية الأمريكية، التي دفعت الأسهم الأمريكية للانخفاض بأكثر من 12% في أسبوع واحد، وعوائد سندات الخزانة لأجل 30 عامًا للارتفاع بنحو 70 نقطة، في أكبر ارتفاع أسبوعي لها منذ عام 1982. دفعت عمليات البيع ترامب إلى التراجع، خاصة مع الانهيار الكبير في سوق السندات، مؤجلًا الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا انتهت في يوليو الجاري.
يفترض المستثمرون أن ترامب سيتراجع في نهاية المطاف عن تهديداته إذا تفاعلت الأسواق بشكل سيء، وهو ما يُفقد سياسته تأثيرها على المدى الطويل. بينما يتوقع خبراء أموال أن استقرار الأسواق قد يحفز ترامب على التمادي في سياسته التجارية العدوانية بشكل غير متوقع، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى انهيار شبيه بسيناريو أبريل الماضي.
وعلى صعيد آخر، يواجه جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أشرس هجومٍ سياسي منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. يتجلى ذلك في مهاجمة ترامب للاحتياطي الفيدرالي ورئيسه من حين لآخَر، انطلاقًا من رغبته في خفض الفائدة بمقدار 3%. وبالتوازي، تبحث إدارته عن مخرج قانوني يمكنّها من عزل باول. وفيما تظل احتمالات الإطاحة بباول ضعيفة، لا تتخطى الـ20%، بحسب أسواق المراهنات، حذر "دويتشه بنك" الألماني من أنّ إقصاءه قد يؤدي إلى انخفاض الدولار 3%-4% في يومٍ واحد، ما سوف يؤدي إلى أزمة في أسواق السندات.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى التوجه الأفضل في الوقت الحالي هو الانكشاف المرتفع على الأسهم الأميركية وبتكوين، مع التحوّط عبر شراء مراكز مناسبة من الذهب، وانتظار لحظة التحول التكتيكية للتخارج من الأصول الخطرة.
الاقتصاد العالمي يتأثر بتصاعد التوترات التجارية
أظهرت الأسواق الأوروبية بعض الضعف في نهاية الأسبوع، حيث انخفض مؤشر STOXX600 الأوروبي بنسبة 1% يوم الجمعة، وهو أسوأ يوم له منذ أكثر من 3 أشهر، متأثرًا بتصعيد ترامب ضد كندا والبرازيل. على الصعيد نفسه، انخفض مؤشر DAX الألماني ومؤشر FTSE البريطاني، اللذان كانا قد ارتفعا إلى مستويات قياسية في منتصف الأسبوع، بنحو 0.8% و0.4% يوم الجمعة. يقدر بنك HSBC أن فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 10%-20% على السلع الأوروبية من شأنه أن يقتطع 4%-6% من صافي أرباح الشركات الأوروبية.
أما سوق السندات العالمية فقد شهد مزيدًا من عمليات البيع هذا الأسبوع، أدت إلى استمرار ارتفاع العوائد. في الولايات المتحدة، تخطى عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات مستوى 4.4%، بينما وصلت العوائد عالميًا إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.
وفي أسواق العملات، ارتفع الدولار الأمريكي على نطاق واسع هذا الأسبوع، حيث تفوقت تدفقات الملاذ الآمن وفروق أسعار الفائدة على مخاوف الحرب التجارية. ارتفع مؤشر الدولار بنحو 1%، محققًا مكاسب كبيرة بشكل خاص مقابل العملات ذات العائد المنخفض، كالين الياباني، الذي انخفض حوالي 2% هذا الأسبوع، ما يجعله أسوأ أسبوع للين منذ ديسمبر 2024. انخفض اليورو أيضاً إلى نحو 1.16 دولار، بفعل المخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأوروبي تحت وطأة الرسوم الجمركية الأمريكية.
الذهب ينتظر وضوح الرؤية في الولايات المتحدة
تستمر أسعار الذهب في الحركة داخل نطاق عرضي منذ أبريل الماضي، حيث أنهى الذهب الأسبوع قرب 3,350 دولارًا، بعد ارتداده من مستويات 3,250 دولار في بداية يوليو. يترقّب السوق اجتماع الاحتياطي الفيدرالي في 30 يوليو القادم وإعلان الخزانة الأمريكية عن برنامج تمويل النفقات الحكومية في اليوم نفسه كمفاتيح لحركة الذهب التالية. تُشير مراكز المضاربة في سوق العقود الآجلة إلى انتظار المستثمرين إشارة أوضح حول توقيت أول خفض للفائدة، والمقدَّر حاليًا في أكتوبر.
كنا قد أشرنا في الأعداد السابقة إلى اعتماد سعر الذهب في النصف الثاني من 2025 على أربعة دعائم رئيسية:
انعطاف السياسة النقدية: تتزايد توقعات خفض "الفيدرالي" للفائدة لاحقًا في 2025، ما قد يخفض العائد على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات ويعزّز جاذبية الذهب.
التوسع المالي الأمريكي: الحزمة المالية الجديدة التي تم إقرارها في الولايات المتحدة "One Big Beautiful Bill" تكرّس استمرارًا للعجز المالي الأمريكي، ما يدعم الذهب كأداة تحوّط تقليدية ضد تآكل العملة.
المخاطر التجارية: تصاعد الحرب التجارية واحتمال عودة أزمة الرسوم الأمريكية إلى صدارة المشهد في يوليو يرفع الطلب على الملاذات الآمنة.
مشتريات البنوك المركزية: تستمر البنوك المركزية في شراء الذهب بوتيرة قياسية، كاستراتيجية تحوط ضد احتمالات "تسليح" الدولار، بعدما قررت الولايات المتحدة تجميد ممتلكات البنك المركزي الروسي من السندات الأمريكية بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.
في المقابل، تمثل ثلاثة عوامل أخرى حاجزًا أمام استمرار الذهب في الارتفاع:
استمرار الدولار في الارتفاع خلال الأسابيع المقبلة سيمثل عودة للدولار لدوره التقليدي كملاذٍ آمن، ما يستنزف جزءًا من الطلب على الذهب.
ارتفاع عوائد السندات الأمريكية طويلة الأجل يحدّ من جاذبية الذهب.
وصول بتكوين إلى قمة تاريخية جديدة، بتخطيها حاجز 118 ألف دولار، يستقطب جزءًا من رؤوس الأموال المضاربة في الذهب.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى الذهب أصلًا استراتيجيًا في محافظنا على المدى الطويل. نتوقع أن يتخطى السعر بنهاية صيف 2025 مستويات 3,700 دولار، قبل الهبوط مجددًا دون مستويات 2,900 دولار بنهاية العام أو بداية 2026. تصاعد العجز المالي يُربك المشهد المالي الأمريكي، ويضع الذهب كبديل أكثر فعالية من السندات في تكوين المحافظ الاستثمارية، ما لم يظهر عزم سياسي واضح على كبح الإنفاق وخفض الدين.
الخلاصة
مع تصعيد ترامب الحرب التجارية بفرض رسوم شاملة حتى على الحلفاء، تواصل الأسواق اختبار قدرتها على امتصاص الصدمات، مدفوعة بتوقعات تراجع الرئيس عند أول علامة ضعف. في المقابل، قد يغريه صمود الأسهم بالاستمرار في التصعيد حتى تصل الأسواق إلى نقطة الانكسار.
وفي الخلفية، يشتد الضغط السياسي على الاحتياطي الفيدرالي مع تهديدات بعزل باول، ما يزيد الضبابية حول السياسة النقدية. حتى الآن، ينصح خبراؤنا بالاستمرار في الاستثمار في الأسهم وبتكوين مع تحوّط بالذهب، استعدادًا لتحول تكتيكي محتمل.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لرصد المستجدات وتحليل تداعياتها على الأسواق والأصول الاستثمارية.