الأسواق تنتعش بقوة مع تراجع حدة الحرب التجارية
ترامب يتراجع نسبيًا، وبكين مستعدة لاستمرار الصتعيد
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
شهدت الأسواق المالية العالمية أفضل أسبوع لها هذا العام، متجاهلة الصدمات السياسية ومتمسكة بآمال تخفيف السياسات النقدية. حيث تحرك المستثمرون بقوة نحو الأصول عالية المخاطر، بعد بداية أسبوع متقلبة بسبب هجمات البيت الأبيض على رئيس الاحتياطي الفيدرالي وتصاعد التوترات التجارية مع الصين.
قفز مؤشر S&P 500 بنسبة 4.6% خلال الأسبوع، مسجلًا أفضل أداء أسبوعي في 2025، فيما ارتفع مؤشر ناسداك الذي يضم بشكل أساسي أسهم التكنولوجيا بنسبة 6.7%. وواكبت الأسهم الأوروبية واليابانية الزخم الإيجابي، وحتى الأسواق الصينية أغلقت على مكاسب رغم التوترات التجارية المستمرة. بينما تراجعت عوائد السندات، وبلغ الذهب مستوىً قياسيًا قبل أن يتراجع، وتجاوز البيتكوين 95 ألف دولار قبل أن يستقر. فعادت شهية المخاطرة، ولو مؤقتًا.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والسلع، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل ما إذا كان ما نشهده هو هدوء مؤقت قبل عودة الاضطراب إلى الأسواق مرة أخرى، أم نهاية لمرحلة التراجع التي شهدتها الأسواق منذ فبراير الماضي.
أزمة ترامب وباول تربك الأسواق، ثم تدفعها للصعود
بدأت تقلبات بداية الأسبوع مع استمرار الهجوم العلني للرئيس ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وتهديده بإقالته، مما عزز ذعر الأسواق. مما أدى إلى انخفاض الأسهم بشكل ملحوظ يوم الاثنين، وبالتوازي استمر انخفاض عائدات السندات، وارتفع الذهب إلى مستويات قياسية جديدة.
لاحقًا، تراجع البيت الأبيض عن تهديداته، حيث نفى ترامب علنًا عزمه إقالة باول بعد تدخل أعضاء من حكومته. التقطت الأسواق الإشارة وتعافت بقوة، وعادت شهية المخاطرة إلى السوق. ومع ذلك، تركت الواقعة أثرًا سلبيًا، لأنه، وكما أوضحنا في العدد السابق من نشرتنا، مجرد التلميح للتدخل السياسي يهز الثقة باستقلالية الفيدرالي التي تعتبر حجر الأساس لاستقرار أسواق السندات الأمريكية، واستقرار أسواق المال العالمية بشكل عام.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع ألا يكون الارتفاع الحالي مستدامًا، خاصة وأنه قد جاء دون تغير ملحوظ في سياسة ترامب التجارية التي أشعلت فتيل الأزمة في المقام الأول. في ظل استمرار التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، نتوقع استمرار هبوط مؤشر S&P500 حتى مستويات 4,650 لـ4,750 دولار. في حالة عودة ترامب إلى التصعيد ضد الفيدرالي وربما نجاحه في إقصاء باول عن منصبه، سيضطر المستثمرون إلى إعادة تسعير مخاطر السوق الأمريكي في ضوء انعدام استقلالية السياسة النقدية، وسيدفع ذلك مؤشر S&P500 إلى الانهيار إلى ما دون 3,900 دولار (ما يعادل مكرر ربحية PE Ratio في مستويات 12-14). لكن هذا السيناريو ليس السيناريو الأكثر احتمالية لدينا في ضوء المعطيات الحالية.
رسائل متضاربة بشأن الرسوم الجمركية
استبشر المستثمرون بتلميحات البيت الأبيض لاحتمال التراجع عن بعض السياسات التجارية المتشددة. بعد فرض رسوم جمركية بنسبة 245% على الواردات الصينية، تسربت أنباء عن إمكانية تخفيضها في محاولة لإنهاء الأزمة. ترامب نفسه ألمح إلى إمكانية التوصل إلى "صفقة بطريقة أو بأخرى" مع بكين. تعلمت الصين درس الحرب التجارية بعد تصعيدات ترامب ضد بكين في فترته الرئاسية الأولى. المحللون في جريدة الشعب الصينية، الجريدة الرسمية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والتي تعبر عن الموقف الرسمي لبكين، يزعمون أن الصين في 2025 أكثر استعدادًا من الصين في 2016 لمواجهة استمرار التصعيد الأمريكي لشهور أو حتى لأكثر من سنة، والرد بتصعيد مماثل. استطاعت الصين خلال السنوات الأخيرة التوسع في تحالفاتها التجارية لتصبح الشريك التجاري الأول لأكثر من 70% من اقتصاديات العالم، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة وحلفائها. خفّضت الصين كذلك اعتمادها على المعسكر الغربي في الصناعات المتطورة، بشكل يمكّنها الآن من تحمل تصعيد تجاري مع الولايات المتحدة لمدة أطول، خصوصًا مع استقرار علاقاتها التجارية مع محيطها الآسيوي، بالإضافة إلى روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.
خفضت بكين كذلك خلال السنوات الأخيرة ديون الإدارات المحلية، وأنهت أزمة عدد كبير من الشركات الحكومية غير الناجحة التي تعتمد بشكل أساسي على التمويل الدائم من الحكومة. بالتوازي، سمحت الحكومة لعملاق السوق العقاري Evergrande بالانهيار في 2021، في إشارة إلى نية الحكومة عدم التدخل لدعم وإنقاذ الشركات التي تعتمد بشكل أساسي على الاقتراض المبالغ فيه، حتى وإن كان انهيارها يمثل خطرًا هيكليًا على السوق (Too big to fail). وفرت هذه السياسيات مساحة حركة للبنك المركزي الصيني يمكنه من خلالها دعم الاقتصاد بحزم مالية عملاقة خلال الشهور المقبلة، تساعد بكين في تحمّل التصعيد الأمريكي دون رضوخ لضغوط ترامب.
💡 توقعات خبراء أموال: سيمتد تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب والحرب التجارية مع الصين على الاقتصاد الأمريكي، وبالتبعية على الأسواق العالمية، حتى نهاية 2025، بما في ذلك احتمالية انزلاق الولايات المتحدة إلى ركود طفيف.
البنوك المركزية تميل نحو التيسير النقدي
لم يتحرك الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، لكنه أرسل إشارات داعمة لاحتمال خفض الفائدة لاحقًا. كريستوفر والر، عضو مجلس الفيدرالي، شدد على أن ارتفاع التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية "ظاهرة عابرة"، وأن التركيز يجب أن يبقى على سوق العمل، ما يوحي بأن الفيدرالي يميل إلى خفض الفائدة حتى في ظل الضغوط التضخمية المحتملة في ظل تصاعد الحرب التجارية. تغيرت توقعات الأسواق لاحتمالات خفض الفائدة بناءًا على هذه التصريحات، مع زيادة الرهانات على خفض للفائدة في اجتماع يونيو.
في أوروبا، خفض البنك المركزي الفائدة بالفعل في أبريل، وأشار إلى إمكانية الاستمرار في التيسير النقدي. بالتوازي، يستعد بنك إنجلترا لخفض مماثل الشهر المقبل مع تباطؤ النمو واستمرار التضخم المرتفع. في اليابان، من المتوقع أن يبقي البنك المركزي على سياسته الحالية، مع خطوات حذرة نحو التيسير النقدي مستقبلاً. دعم هذا الميل الجماعي نحو السياسات التيسيرية السندات والأسهم معًا، ودفع العوائد العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر.
الذهب يلمع مجددًا، لكن التصحيح بدأ
سجل الذهب حضورًا لافتًا في بداية الأسبوع، بعدما قفز إلى مستوى قياسي فوق 3,500 دولارًا للأونصة قبل أن يتراجع إلى نحو 3,320 دولارًا. جاءت هذه القفزة مدفوعة بمخاوف من أزمة سياسية ونقدية في الولايات المتحدة، وقلق من تهديد استقلالية الفيدرالي. ومع تلاشي المخاطر الفورية بعد تراجع ترامب عن تهديد باول، خفّت أيضًا بعض موجات الطلب على الذهب. كما أوضحنا في العدد السابق من النشرة، لا يزال مسار الذهب شديد الحساسية لتغيرات العوائد الحقيقية وظروف السيولة في الأسواق.
💡 توقعات خبراء أموال: وصل الذهب إلى النطاق المستهدف عند 3,500‑3,600 دولار كما توقعنا في الأعداد السابقة. يشير تحليل أموال إلى أن موجة التصحيح التي أشرنا إليها قد بدأت بالفعل، ونتوقع أن يهبط بالسعر إلى 2,990‑3,150 دولاراً خلال أسبوع إلى أسبوعين، أي انخفاض بنحو 10‑15% بحلول منتصف مايو إلى مطلع يونيو.
العملات الرقمية
جاء صعود بتكوين فوق 95 ألف دولار مدعومًا بالانتعاش الواسع في أصول المخاطرة مع التراجع النسبي للأزمة التجارية والسياسية خلال الأسبوع. مع ذلك، يبقى بتكوين أصلًا عالي التذبذب، شديد الارتباط بتحولات شهية المخاطرة في الأسواق. نرى في أموال أن التكوين الفني لحركة سعر بتكوين الحالية لا يزال داعمًا للاتجاه الصاعد على المدى القصير، لكننا نحذر من أن أي تصحيح حاد في الأسهم سيمتد سريعًا إلى أسواق العملات الرقمية.
💡 توقعات خبراء أموال: من غير المتوقع أن يستمر ارتفاع بتكوين خلال الأشهر المقبلة في ظل استمرار التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حتى لو استمر الصعود الحالي على المدى القصير. يتصرف بيتكوين كأصل عالي المخاطرة مرتبط بالسيولة النقدية المتوفرة في الماكينة الاقتصادية العالمية، وليس كأصل دفاعي، ما يجعله غير فعال كأداة تحوط في هذه المرحلة. في حالة تحول السياسة النقدية الأمريكية إلى خفض الفائدة أو التيسير الكمي، سيؤثر ذلك إيجابيًا على السيولة النقدية المتاحة للاستثمار في العملات الرقمية، ما قد يرفع السعر للارتفاع مرة أخرى. معدل المخاطرة الحالي لبتكوين = 32%
تقلبات النفط مستمرة وسط مخاوف من انخفاض الطلب الصيني
شهدت أسعار النفط تقلبات حادة لكنها أنهت الأسبوع دون تغيير يُذكر، مع استقرار خام برنت قرب 65 دولارًا للبرميل. تراجعت المخاوف بشأن الإمدادات قليلاً بفعل انخفاض وتيرة التصعيد التجاري، إلا أن المخاطر لا تزال قائمة.
بالإضافة إلى استمرار الحرب التجارية، نقلت الولايات المتحدة بعض القطع العسكرية، من ضمنها قاذفات B2 المتطورة، إلى قواعدها في المحيط الهندي وسط تكهنات عن ضربة عسكرية محتملة لإيران في حالة فشل المفاوضات الجارية في عُمان. على الرغم من أن نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران في الوقت الحالي يعتبر احتمالًا ضعيفًا، إلى أن تحركات القاذفات الأمريكية الأخيرة تزيد من التوترات التي تثقل كاهل سوق الطاقة.
سجلت المعادن الصناعية مثل النحاس والألمنيوم ارتفاعات طفيفة، مدفوعة بتوقعات تبنّي البنك المركزي الصيني لحزم مالية واقتصادية لمواجهة الحرب التجاري.
💡 توقعات خبراء أموال: سجلّت حركة حاويات الشحن من الموانيء الصينية تراجعًا حادًا بعد تطبيق الرسوم الجمركية، مما يشير إلى احتمالات ضعف في الطلب العالمي على السلع الصناعية خلال الصيف المقبل، يتبعه تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، في حالة استمرار التصعيد التجاري.
الخلاصة
تنفست الأسواق الصعداء هذا الأسبوع مع انحسار الدراما السياسية في واشنطن وتزايد بوادر الدعم من السياسات النقدية. ومع ذلك، لا تزال المخاطر قائمة. الغموض بشأن الرسوم الجمركية، وهشاشة البيانات الاقتصادية، واعتماد الاحتياطي الفيدرالي المكثف على البيانات تعني أن التقلبات قد تعود بسرعة.
مازال المستثمرون يراهنون على نمو معتدل، وتباطؤ للتضخم، واستمرار لتوجه البنوك المركزية نحو التيسير النقدي. إذا جاءت بيانات الأسبوع المقبل وأرباح الشركات متماشية مع هذه الرهانات، فقد يمتد الانتعاش. لكن أي خيبة أمل كبيرة مثل انكماش مفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي، أو ارتفاع في معدل البطالة، أو تحول في موقف البنوك المركزية، قد يؤدي إلى تحول الأسواق إلى الهبوط مجددًا.
ينصح خبراء أموال باستمرار خفض الانكشاف على الأصول الأميركية، وزيادة التركيز على أوروبا وآسيا، وتعزيز حيازة الذهب، مع البدء في الانكشاف بشكل محدود على بتكوين.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. مازلنا في انتظار اللحظة المناسبة للاستثمار في أصول المخاطرة مرة أخرى خلال النصف الثاني من 2025.