انتهاء الحرب يدفع الأسهم إلى قمم تاريخية
اختفاء مخاطر البترول واحتمال تمديد هدنة الرسوم يدفعان الأسواق للصعود
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
مع نهاية النصف الأول من 2025، لا يزال المشهد الاقتصادي الكلّي هادئًا على نحو لافت. تتباطأ معدلات النمو في الاقتصاديات الكُبرى دون أن تؤدي إلى ارتفاع كبير في البطالة، بينما يتراجع التضخم إلى النطاق المستهدف. هذا المزيج يغذّي ميلًا عامًا لدى البنوك المركزية الكُبرى إلى التيسير النقدي. مع ذلك، يشدّد الاحتياطي الفيدرالي على "الاعتماد على البيانات"، وينتظر البنك المركزي الأوروبي "قدرًا أكبر من الوضوح" قبل أي خطوة جديدة، بينما شرع نظراؤهم في الأسواق الناشئة في الخفض المتواتر للفائدة بالفعل. بالتبعية، التقطت أسواق السندات الإشارة، فتراجعت عوائدها مانحة الأصول الاستثمارية المختلفة دفعة إيجابية.
أما عن الأزمة الجيوسياسية، التي أفسدت أواخر يونيو، فقد انتهت بوتيرة أسرع من المتوقع. حيث أوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة/إسرائيل وإيران حربًا استمرت 12 يومًا، واختفت بذلك عوامل الخطر التي دفعت أسعار البترول إلى الصعود، فتراجعت أسعار كافة السلع وعاد هاجس التضخم إلى خلفية المشهد. وعلى صعيد الحرب التجارية، مدّدت واشنطن وبكين هدنة الرسوم الجمركية 90 يومًا أملًا في الوصول إلى اتفاقية تجارية شاملة تنهي خطر الحرب التجارية.
اقتصاديًا، خفّض البنك المركزي الصيني نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك وسعر الفائدة إلى نسب قياسية، بينما خفّف الفيدرالي الأمريكي قواعد الرافعة المالية للبنوك التي تقتني سندات الخزانة، في إشارة إلى تحول السياسة النقدية إلى توجه يدعم التوسع في الائتمان، وبالتالي يرفع حجم رؤوس الأموال المتاحة للاستثمار، ما يدعم الحركة الإيجابية للأصول الاستثمارية. يعود بذلك المستثمرون إلى سيناريو "الاعتدال المثالي"، حيث ينمو الاقتصاد بشكل يدعم أرباح الشركات دون دفع التضخم إلى الصعود، فيندفع صناع السياسة المالية والنقدية إلى تفضيل توجيه السيولة المالية صوب الأصول الاستثمارية الخطرة بدلًا من الاحتفاظ بالنقد، ما يدعم الزخم الإيجابي للأسواق.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية مع التطورات الجيوسياسية وقرارات السياسة النقدية، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
الاقتصاد الأمريكي يدعم صعود الأسهم رغم التصدعات الهيكلية
انكمش الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الأول من 2025 بنسبة 0.5%، مقارنة بالربع الأخير من 2024، بفعل ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وارتفاع فاتورة الواردات قبل اندلاع الحرب التجارية في أبريل. بالتوازي، انخفضت طلبات إعانة البطالة الأولية بشكل هامشي، لكن طلبات الإعانة المستمرة قفزت إلى 1.97 مليون، لتصل بذلك إلى أعلى قراءة منذ 2021، ما يوحي بأن من فقدوا وظائفهم خلال موجة التشديد النقدي يجدون صعوبة في الحصول على وظائف جديدة. في المقابل، مازال نمو الأجور أعلى من مستويات ما قبل أزمة كورونا.
أما عن التضخم، فقد ارتفع المكون الأساسي لمعدل التضخم 0.2% على أساس شهري، ما يعادل 2.7% سنويًا، بفعل أزمة الرسوم الجمركية. لكن هبوط أسعار البترول بعد انتهاء الحرب والضعف المستمر للدولار يخفِّفان من ارتفاع أسعار السلع. لذلك يعتمد جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، نبرة متوازنة يؤكد بها أن السياسة النقدية "تنتظر تطورًا جديدًا في البيانات"، لكنه يؤكد كذلك قلق صناع القرار من ارتداد في موجة التضخم في الربع الثالث من 2025 إذا عادت أزمة الرسوم الجمركية إلى الاشتعال من جديد. في المقابل، عاد ترامب مرة أخرى إلى الهجوم على باول والضغط من أجل خفض الفائدة، ما رفع قناعة السوق بأن الفيدرالي قد يضطر إلى اللجوء إلى خفضٍ "سياسي" للفائدة خلال الأشهر القادمة.
على صعيد السياسة المالية، يسابق الكونجرس الزمن لإقرار مشروع "الـ500 مليار دولار" بشكل نهائي قبل 4 يوليو، ما يضيف دفعة نمو قصيرة الأجل لكنه يرفع المعروض من السندات وقد يدفع عائد العشر سنوات نحو 4.5%. تبعات فشل إقرار هذا المشروع تهدد عمل الحكومة، إذ قد تضطر إلى تعليق عملها حتى إقرار مشروع جديد، ما قد يسبب أزمة في الأسواق.
مع ذلك، تسعّر الأسواق هذه التيارات المتعارضة بثبات منقطع النظر. حيث سجّل مؤشر S&P500 قمة تاريخية جديدة بوصوله إلى مستويات 6,187 دولار نهاية الاسبوع الماضي، وتتسع قاعدة الزخم الإيجابي خارج أسهم التكنولوجيا العملاقة لتشمل أغلب قطاعات المؤشر. وتتقدم بالتوازي أسعار سندات الخزانة مع تدفق رؤوس الأموال من البنوك المحلية والمستثمرين الأجانب للاستفادة من سعر الدولار المتدني. كما أن انحسار العوائد الحقيقية، أي الفرق بين معدل الفائدة على السندات ومعدل التضخم، يرفع أسعار الذهب وصناديق الاستثمار العقاري وأسهم التكنولوجيا في آنٍ، في ثلاثية نادرة ترتبط عادةً بموجات ارتفاع التضخم.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى التوجه الأفضل في الوقت الحالي هو الانكشاف المرتفع على الأسهم الأميركية، مع التحوّط عبر شراء مراكز مناسبة من الذهب. نراقِب في أموال تقرير الوظائف يوم الخميس المقبل، ومؤشر مديري المشتريات يوم الجمعة، وتطور النقاشات حول مشروع الموازنة في الكونجرس لاكتشاف نقطة الانعطاف التكتيكية.
الاقتصاديات الكُبرى تتأرجح بين التضخم والانكماش
في أوروبا، لا يزال الاقتصاد على حافة الركود. حيث استقر مؤشر مديري المشتريات المركّب لشهر يونيو عند 50.2، بينما بقيت قراءة القطاع الصناعي دون 45. ومن المتوقع أن يبلغ التضخم العام هدفه الرسمي نحو 2%، مع بقاء التضخم الأساسي متفاوتًا بين الدول. وعلى صعيد السياسة النقدية، شدّدت كريستين لاجارد، رئيسة المركزي الأوروبي، على الحاجة إلى "قدر أكبر من الوضوح" قبل أي تحرّك في المستقبل القريب، ما يوحي بأن البنك سيثبّت أسعار الفائدة عند المستويات الحالية حتى تتضح طبيعة التباطؤ الاقتصادي.
أما في اليابان، مازالت أزمة التضخم في واجهة المشهد. حيث يتحرك معدل التضخم الأساسي في مستويات تتجاوز 3% وتتجه الأجور إلى الارتفاع بفعل المفاوضات المستمرة بين الشركات العملاقة والنقابات العمّالية. وهو ما يزيد من التوقعات بتعديل في السياسة النقدية للبنك المركزي الياباني بشكل يسمح بارتفاع محدود للفائدة خلال النصف الثاني من 2025.
رغم ذلك، استقر الين الياباني فوق مستويات 140 ين/دولار، مع استمرار حركة التداول بين الين والدولار لدعم رهانات Carry Trade (اقتراض الين بفائدة منخفضة والاستثمار في الدولار والأصول الدولارية ذات العائد المرتفع). كما يهدّد أي تحول مفاجيء في توجهات البنك المركزي الياباني بانهيار في مراكز Carry Trade بشكل قد يمتد إلى كافة الأصول الاستثمارية في العالم، لكن احتمال تكرار نفس سيناريو الهبوط المفاجيء، الذي هز الأسواق في أغسطس 2024، يبقى ضعيفًا.
الذهب يتراجع مؤقتًا بفضل انتهاء الحرب
تراجع الذهب في أواخر يونيو إلى 3,275 دولارًا للأونصة، بفعل الانتهاء المفاجيء للأزمة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بالتوازي مع عملية إعادة موازنة المحافظ في نهاية الربع وانقضاء عقود خيارات ضخمة أثارت حركة بيع مدفوعة بعوامل فنيّة. فنجد أن مراكز الشراء لدى صناديق الاستثمار مازالت مستقرة عند 46%، مقابل 17% فقط لمراكز البيع، ما يشير إلى استمرار الزخم الإيجابي على المدى المتوسط.
يعتمد سعر الذهب في النصف الثاني من 2025 على أربعة دعائم رئيسية:
تراجع العوائد الحقيقة للسندات الأمريكية لأجل 10 سنوات مع انخفاض معدل التضخم وأسعار البترول يقلّل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب.
هبوط مؤشر الدولار إلى 97 يوفّر دعمًا نموذجيًا لكافة الأصول ومن ضمنها الذهب.
إنهاء البنوك المركزية الكبرى دورة التشديد أو البدء بالفعل في دورة التيسير النقدي يدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع.
التوترات الجيوسياسية المتتالية منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 2022، وانتهاءًا بالعدوان الإسرائيلي على إيران، ترفع من قيمة الذهب كملاذ تقليدي آمن، وتدفع البنوك المركزية إلى الاستمرار في شراء الذهب. كما ستتجاوز مشتريات البنوك المركزية، خصوصًا في الاقتصاديات الناشئة، حوالي 1,000 طن من الذهب خلال 2025. يأتي ذلك كاستراتيجية تحوط ضد احتمالات "تسليح" الدولار، بعدما قررت الولايات المتحدة تجميد ممتلكات البنك المركزي الروسي من السندات الأمريكية بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى الذهب أصلًا استراتيجيًا في محافظنا على المدى الطويل. نتوقع أن يرتد السعر من مستويات 3,150‑3,250 دولار خلال الأسابيع القادمة، ليصل بنهاية صيف 2025 إلى مستويات 3,700 دولار، قبل الهبوط مجددًا دون مستويات 2,900 دولار بنهاية العام أو بداية 2026.
الخلاصة
ينتهي النصف الأوّل من 2025 بعد تأرجح الأسواق صعودًا وهبوطًا، حيث يتباطأ النمو بما يكفي لكبح التضخّم دون أن يؤثر على الأرباح. وبينما يتحدث صانعو السياسات النقدية والمالية بلهجة متشدّدة، يتصرّفون بمرونة كلّما ظهرت بادرة توتّر.
يعتمد أداء الأسواق الأسبوع القادم على عدد من التقارير:
تقرير الوظائف الأمريكي لشهر يونيو (الخميس 3 يوليو): يتوقع السوق إضافة 125 ألف وظيفة واستقرار معدل البطالة عند 3.8%. إذا جاءت البيانات بخلاف التوقعات، ومع تباطؤ نمو الأجور، قد يتحرك عائد السندات لأجل 10 سنوات دون 4%، بينما تعيد أي مفاجأة أعلى من التوقعات احتمال خفض الفائدة في سبتمبر.
القراءات النهائية لمؤشر مديري المشتريات (الثلاثاء 1 يوليو): ستوضح القراءات النهائية في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة ما إذا كان تباطؤ الإنتاج الصناعي يزداد سوءًا أو يتجه إلى التحسن.
انتهاء مهلة هدنة الرسوم الأمريكية (الأربعاء 9 يوليو): أية بوادر لتمديد المهلة يدعم عملات وأسهم الأسواق الناشئة والمعادن الصناعية، بينما يدفع التصعيد المستثمرين نحو الملاذات الآمنة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.