الولايات المتحدة والصين على مائدة التفاوض
أرباح قياسية لعمالقة وادي السيليكون، والبنوك المركزية تترقب نتائج مفاوضات چينيڤ الحاسمة
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
قضى المستثمرون حول العالم الأسبوع الأول من مايو وهم يراقبون مشهدين متناقضين. من جهة، حقق عمالقة وادي السيليكون أرباحًا قياسيةً في الربع الأول من 2025، تُزاحم فيها العائدات مستويات ما قبل أزمة كورونا وتنفخ الروح في المؤشرات الأميركية واليابانية والأوروبية. ومن جهةٍ ثانية، مازالت إدارة ترامب تُلوّح بسيف الرسوم الجمركية على السلع الصينية، في استمرار للتصعيد الذي أحدث هزة عنيفة مطلع أبريل قد امتدت إلى كافة الأسواق.
وعلى وقع هذا المشهد المضطرب، تدخل البنوك المركزية لعبة توازن دقيقة. حيث يحبس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أنفاسه وهو يراقب تضخمًا أساسيًا أعلى من المستهدف، في حين يُبطئ خطاه نحو خفض الفائدة خشية أن تتحول الرسوم إلى ضريبةٍ خفيّة على المستهلكين ترفع التضخم، أو تدفع الاقتصاد إلى الركود. وفي فرانكفورت، يسارع البنك المركزي الأوروبي إلى خفضٍ سابع خلال اثني عشر شهرًا بعد تراجع التضخم، بينما يقف بنك إنجلترا على أرضية أكثر حذرًا، ويواصل بنك اليابان انفراده بسياسة مرنة يتّخذها حاجزًا دفاعيًا ضد قوة الين المتزايدة. وخلف كل هذه القرارات يعلق العالم آمالة على المفاوضات المفصلية بين وزير الخزانة الأميركي ونائب رئيس الوزراء الصيني في چينيڤ، والتي قد تُخفف حدة النزاع أو تُزيد الأزمة تعقيدًا.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية، من الأسهم والسندات إلى العملات والسلع، مع الأحداث المتسارعة، ونحلل كيف ستحدد الرسوم الجمركية، وأرباح الشركات، وسياسات البنوك المركزية ملامح الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من 2025.
الأسهم تتجاهل المخاطر والسندات ترتبك
أنهى مؤشر MSCI العالمي تداولاته مستقرًا بعد أسبوع متقلب، لكن هذا السكون الظاهري أخفى تباينات إقليمية حادة. حيث تراجعت المؤشرات الأمريكية S&P 500 بنسبة 0.5% وNasdaq بنسبة 0.3% بفعل جني الأرباح من أسهم النمو الكبرى، في حين حقق STOXX 600 الأوروبي مكاسب هامشية مستفيدًا من انتعاش DAX الألماني بعد خسائر صدمة الرسوم الجمركية في النصف الأول من أبريل. في أسواق السندات، ارتفع عائد السندات الأميركية لأجل عشر سنوات ليصل إلى 4.38%، إذ يسعّر المتداولون حاليًا نحو 66 نقطة أساس فقط (0.66%) من خفض الفيدرالي للفائدة هذا العام، انخفاضًا من 75 نقطة أساس (0.75%) قبل اجتماع الفيدرالي الأخير.
أما على صعيد العملات، حقق مؤشر الدولار الأمريكي أقوى أداء أسبوعي منذ مارس الماضي، وانخفض اليورو إلى 1.07 دولار مع توجه البنك المركزي الأوروبي نحو التيسير النقدي، فيما تخلّى الجنيه الإسترليني عن قفزة منتصف الأسبوع عقب خفض بنك إنجلترا للفائدة.
چينيڤ: مستقبل الاقتصاد العالمي على المحك
في مركز التجارة العالمي بچينيڤ السويسرية، تُعقد طوال عطلة نهاية الأسبوع جلسات تفاوض بين وزير الخزانة الأميركي ونائب رئيس الوزراء الصيني، وسط تعتيم إعلامي. الرهان الواضح هو: إمّا التوصل إلى "هدنة تجارية" تُخفِّض الرسوم الأميركية من %145 إلى نطاق يتراوح بين %50 و%60، وإمّا الانزلاق إلى تصعيد قد يرفع الرسوم إلى أكثر من 180% ويُحوِّل التوتر الحالي إلى حرب تجارية شاملة.
تدخل الصين قاعة التفاوض مُثقلة بأرقامٍ مقلقة: بيانات أولية للجمارك تُظهِر هبوط الصادرات إلى الولايات المتحدة بأكثر من 40% على أساس سنوي في أبريل، فيما ترتفع شحنات فيتنام إلى أميركا بالوتيرة نفسها تقريبًا، في علامةٍ على التفاف بعض السلع عبر دول ثالثة. وفي أوروبا، تجاوزت السيارات الكهربائية الصينية الطاقة الاستيعابية للموانئ وضغطت على أجهزة الرقابة الألمانية، ما يدفع بروكسل لفرض تعريفاتٍ جمركية مماثلة على الصين لحماية منتجي السيارات الأوروبيين من المنافسة الصينية.
في المقابل، يُقدِّر البيت الأبيض أن 30 يومًا إضافية من الرسوم قد يرفع تضخُّم السلع الأميركية 0.3 نقطة مئوية بحلول نهاية الربع الثالث، لكن مستشاري ترامب أكدوا له أن التنازل سيبدو تراجعًا انتخابيًا خطيرًا. لهذا تطلب واشنطن من بكين التزامًا خطيًا بزيادة الواردات الزراعية من الولايات المتحدة، وفرض ضوابط أكثر صرامة على الدعم الحكومي الصيني للسيارات الكهربية، وفتحَ السوق أمام الخدمات التكنولوجية الأميركية، خاصة خدمات الحوسبة السحابية (Cloud Computing) التي تسيطر عليها عالميًا شركات أمازون وجوجل ومايكروسوفت. تلك المطالب تصطدم برغبة بكين في توطين الصناعات المتطورة والاستمرار في بناء قدراتها في التكنولوجيا الحساسة والمتقدمة.
يرى محلّلو وول ستريت أن المفاوضات تتجه إلى أحد سيناريوهين:
هدنة جزئية: خفض الرسوم إلى مستويات 50%-60% يعيد فتح القنوات التجارية، ويضيف ما يصل إلى 0.3% لنمو الاقتصاد الصيني في النصف الثاني من 2025، ويهدِّئ قلق الاتحاد الأوروبي في ملف السيارات الكهربية. النموذج ذاته يخفض مؤشر أسعار المستهلك الأميركي PCE ربعَ نقطة بنهاية 2025.
فشل المحادثات: إعلانٌ عن رفعٍ تلقائي للرسوم إلى 180% قد يُسقط طلبيات التصدير الصينية الإضافية ويُضعف اليوان، ما يستدعي تدخلًا واسعًا من البنك المركزي الصيني، وهو الوضع الذي استعدت له الصين جيدًا كما أشرنا في العدد السابق. داخل الولايات المتحدة، تشتدّ ضغوط سلاسل الإمداد، فيما تتعرّض الأسهم لصدمة جديدة.
تكتيكات التفاوض الصينية
يعرض الوفد الصيني حزمة تنازلات انتقائية: تسريع شراء سلع زراعية أمريكية بقيمة 20 مليار دولار، والسماح لشركات بطاريات أميركية بالمشاركة في مشروعات تخزين الطاقة داخل الصين، والالتزام بسقف دعم حكومي لتكنولوجيا سيارات الهيدروجين. بالمقابل يطالب باستثناء فوري لقطع الغيار الإلكترونية ومكوّنات توربينات الرياح من أي رسوم جمركية تتجاوز 25%، ووقف التحقيقات الأميركية حول تلاعب البنك المركزي الصيني بسوق العملات لمدة عام كامل.
على المدى الطويل، يربط واضعو السياسات في بكين نجاحهم في چينيڤ بقدرتهم على إبقاء البطالة دون مستويات 5.5% وتثبيت النمو قرب الهدف السنوي عند مستويات 5%. إذ يملك البنك المركزي الصيني مساحة خفضٍ إضافي للفائدة أو متطلبات الاحتياطي النقدي للبنوك إذا اقتضى الأمر، لكنه يُفضِّل أن يأتي الخفض في إطار دعم للتعافي الاقتصادي بعد نجاح المفاوضات، بدلًا من إطار إنقاذ الاقتصاد من صدمة خارجية في حال فشل المفاوضات.
💡 توقعات خبراء أموال: لا يمكن، بطبيعة الحال، التنبؤ بنتيجة المفاوضات الجارية في چينيڤ لكننا نتوقع انخفاض أسعار الأسهم في النصف الأول من الأسبوع بشكل طفيف حتى يتم الإعلان عن بوادر نتائج المفاوضات. فشل المفاوضات سيدفع الأسهم إلى الهبوط إلى المستويات المستهدفة حول 4,650 لـ4,750 دولار، وقد يستدعي تدخلًا من الاحتياطي الفيدرالي لدعم الاقتصاد الأمريكي ومحاولة تجنب سيناريو الركود. أما في حالة نجاح المفاوضات، ولو جزئيًا، سيستمر الزخم الإيجابي في حركة الأسهم والذي بدأ في منتصف أبريل، حتى تظهر نتائج أرباح الشركات للنصف الثاني من 2025 خلال يوليو وأغسطس. توقُّعنا الأساسي للقيمة العادلة لمؤشّر S&P 500 خلال النصف الثاني، في حال نجاح المفاوضات وتمكُّن الاقتصاد الأميركي من تفادي الركود، يتراوح بين 4,900 و5,300 دولار.
الذهب: تصحيحٌ فني قصير، وفرصة استراتيجية طويلة الأمد
يطلّ الذهب على المستثمرين هذا الشهر بمشهدٍ متناقض يجمع بين انحسارٍ فنّيٍ قصير المدى واحتمالات قوةٍ أساسية تمتدّ لما بعد منتصف 2025. حقق الذهب خلال الأسبوع المنتهي في 10 مايو قمةً مزدوجة عند مستوى 3,435 دولارًا للأونصة قبل أن يتراجع مرة أخرى، ما يعزّز تقديرات أموال بأن قاع الدورة الحالية سيحدث في الفترة بين 20 و30 مايو، في نطاق مرجّح بين 3,050 دولار و3,150 دولار.
وعلى الرغم من الضغوط الحالية على سعر الذهب، والتي تستمر حتى نهاية مايو مدفوعة بتصفية بعض المراكز في سوق العقود الآجلة، مازالت المتغيرات الأساسية — من دورة خفض الفائدة المرتقبة في الاقتصادات المتقدمة إلى تزايد الطلب الرسمي من البنوك المركزية وأنماط الشراء من جنوب آسيا والشرق الأوسط — تشير إلى استمرار الاتجاه الصاعد في السعر على المدى المتوسط والبعيد.
💡 توقعات خبراء أموال: يستمر الذهب في موجة التصحيح التي بدأها في نهاية أبريل كما أشرنا في نشرتنا السابقة، ونتوقع أن يهبط السعر إلى مستويات 3,050‑3,150 دولاراً قبل نهاية مايو، يتبع ذلك ارتفاع جديد إلى مستويات 3,600-3,800 دولار في صيف 2025، قبل الهبوط مجددًا بالتوازي مع استقرار تداعيات الحرب التجارية بنهاية 2025.
الخلاصة
هل يمثل شهر مايو نهاية الأزمة التجارية أم بداية الركود العالمي؟ ستحسم نتائج محادثات چينيڤ هذا الأمر. حاليًا، يتعامل المستثمرون مع إشارات متضاربة؛ من جهة هناك استقرار في أسواق العمل وأرباح مرتفعة تدعمها أسهم التكنولوجيا، ومن جهة أخرى تزداد التوقعات سوءًا وسط مخاوف من انقطاعات قادمة في سلاسل التوريد. وبينما تحاول البنوك المركزية شراء الوقت، تواصل الشركات اكتناز السيولة، مع استمرار استعداد الأفراد للإنفاق. نتائج المفاوضات الجارية ستحدد ما إذا كان التوازن الحالي سيقود إلى انتعاش "مثالي"، أم سينزلق الاقتصاد نحو ركود تضخمي.
💡 في أموال، رفعنا نسبة النقد والذهب في كل محافظنا في بداية مارس 2025 وتخارجنا بالكامل من أصول المخاطرة. حققت كافة محافظ أموال عائدًا إيجابيًا خلال شهر أبريل، حتى مع الانهيار واسع المدى في الأسواق. مازلنا في انتظار اللحظة المناسبة للاستثمار في أصول المخاطرة مرة أخرى خلال النصف الثاني من 2025، لكننا بدأنا الأسبوع الماضي في الانكشاف جزئيًا على الأسهم الأمريكية وبتكوين، تحسبًا لتحولٍ إيجابي في مسار الحرب التجارية.