الأسواق تستعيد أنفاسها وسط رياح التغيير في الفيدرالي
تراجع التوترات التجارية وآمال خفض الفائدة تدفع الأسهم لمستويات قياسية، بينما يلوح شبح "تغيير النظام" في السياسة النقدية الأمريكية
أهلاً بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
تعافت الأسواق المالية العالمية هذا الأسبوع من صدمة بيانات التوظيف الضعيفة لتسجل أفضل أداء لها منذ أشهر. ففي الوقت الذي أثارت فيه بيانات الوظائف الأمريكية المخيبة للآمال، مخاوف من تباطؤ حاد في الاقتصاد، تحولت هذه المخاوف إلى وقود لصعود الأسواق على أمل تسريع خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
عوّض مؤشر S&P 500 خسائر الأسبوع السابق ليتحرك مجددًا قرب مستويات قياسية، مسجلاً مكاسب تجاوزت 8% منذ بداية العام. وحقق مؤشر Nasdaq رقماً قياسياً جديداً، مدفوعاً بارتفاع حاد في أسهم التكنولوجيا الكبرى وخاصة آبل التي قفزت بأكثر من 10% بعد حصولها على إعفاء من الرسوم الجمركية. الأسواق الأوروبية لم تكن بعيدة عن الصعود، حيث ارتفع مؤشر STOXX 600 بأكثر من 2% في أفضل أسبوع له منذ ثلاثة أشهر.
لكن وراء هذا الارتفاع تكمن تحولات جذرية في المشهد النقدي الأمريكي. فمع ترشيح كريستوفر والر لخلافة جيروم باول كرئيس للفيدرالي، وتعيين ستيفن ميران في مجلس المحافظين، تتشكل ملامح "تغيير نظام" في السياسة النقدية قد يعيد تعريف علاقة الفيدرالي بالأسواق والاقتصاد. هذا التحول، إلى جانب احتمالات السلام في أوكرانيا وتطورات الحرب التجارية، يضع الأسواق على مفترق طرق حاسم.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية مع هذه التطورات المتسارعة، ونحلل ما إذا كان ما نشهده هو بداية موجة صعود جديدة أم مجرد ارتداد مؤقت قبل عودة التقلبات.
الفيدرالي على أعتاب "تغيير للنظام"
شهد هذا الأسبوع تطورات جديدة في مشهد السياسة النقدية الأمريكية، مع بروز كريستوفر والر كمرشح أوفر حظًا لخلافة جيروم باول عند انتهاء ولايته في مايو 2026. والر، الذي عيّنه ترامب كمحافظ في الفيدرالي والذي صوّت لصالح خفض أكبر للفائدة في الاجتماع الأخير، يُنظر إليه كصاحب نهج أكثر استباقية يعتمد على التنبؤات بدلًا من "الاعتماد الصارم على البيانات" الذي يتبناه باول.
في خطوة موازية، رشّح الرئيس ترامب الدكتور ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، لملء المقعد الشاغر في مجلس الفيدرالي بعد استقالة المحافظة أدريانا كوجلر المفاجئة. ميران، الخبير الاقتصادي المقرب من ترامب، يحمل أفكارًا جذرية حول السياسة النقدية، فهو يرى أن تأثيرات الرسوم الجمركية على الأسعار ستكون "تحولًا لمرة واحدة في مستوى الأسعار" وليس اتجاهًا تضخميًا دائمًا، على عكس تحذيرات باول. الأهم من ذلك، يشكك ميران في قدسية مستهدف التضخم عند 2%، واصفًا إياه بـ"التعسفي"، ويقترح أن اقتصادًا ينمو بنسبة 3%-4% مع تضخم 2%-3% أفضل بكثير من نمو 1%-2% فقط لتحقيق تضخم 2%.
تعيين ميران يضمن صوتًا إضافيًا لصالح خفض الفائدة في كل اجتماعات الفيدرالي حتى نهاية يناير المقبل. وبين احتمال ترقية والر وتأثير ميران المتزايد، يستشعر المستثمرون تسارعًا في "تغيير النظام" في الفيدرالي، من نظام باول المتشدد نسبيًا، إلى نظام جديد يميل نحو سياسة أكثر تيسيرًا. أسواق العقود الآجلة تمنح الآن احتمالية تتجاوز 90% لخفض الفائدة في سبتمبر، مع توقع خفضين على الأقل بمقدار 25 نقطة أساس بحلول نهاية العام.
💡 توقعات خبراء أموال: يمثل التحول المحتمل من باول إلى والر نقطة تحول رئيسية لأسواق المال. نتوقع أن يؤدي هذا "التغيير في النظام" إلى دورة خفض أسرع للفائدة، مع تحمّل أكبر للتضخم فوق المستهدف، وربما تركيزًا أكبر على تعظيم النمو. على المدى القريب، يدعم هذا التوجه أصول المخاطرة (الأسهم، والذهب، وبتكوين)، لكن على المدى الطويل، قد يؤدي التآكل التدريجي لاستقلالية الفيدرالي إلى فقدان السيطرة على التضخم.
احتمالات السلام في أوكرانيا تهز أسواق الطاقة
في تحول جيوسياسي مفاجئ، قد تقترب الحرب الروسية الأوكرانية من نهايتها. حيث تم الإعلان عن أن الرئيس ترامب والرئيس الروسي بوتين سيلتقيان في قمة ثنائية يوم الجمعة 15 أغسطس في ولاية ألاسكا الأمريكية. تتوقع الأسواق أن يؤدي هذا الاجتماع، وهو الأول منذ عودة ترامب للسلطة في نهاية 2024، إلى التوصل إلى تسوية للحرب الروسية الأوكرانية.
من المرجح أن تؤدي نهاية الحرب إلى تعزيز الإمدادات العالمية من الطاقة والحبوب، مع عودة النفط والغاز الروسي بالكامل إلى السوق العالمي، وكذلك عودة صادرات الحبوب الأوكرانية تدريجيًا، ما سيؤدي بالضرورة إلى تخفيف ضغوط التضخم. تراجعت أسعار البترول هذا الأسبوع حوالي 5% على خلفية الأنباء الواردة من واشنطن. الاستمرار المحتمل لتراجع أسعار الطاقة والحبوب سيمنح مساحة إضافية للفيدرالي لخفض الفائدة مبكرًا.
ترامب لا يتراجع عن قراراته التجارية، لكنه يُعفي آبل من الرسوم
سمح الرئيس ترامب بدخول مجموعة من الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ في 7 أغسطس، مما رفع متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من قرن. تتراوح الرسوم الجمركية الآن من 15% إلى أكثر من 40% وتغطي الواردات من عشرات البلدان، من المعادن الأوروبية إلى الإلكترونيات الآسيوية.
الفائز الكبير هذا الأسبوع كان شركة آبل. ارتفع سهم صانع آيفون بأكثر من 10% خلال الأسبوع، وهي حركة هائلة لشركة بقيمة 3 تريليون دولار، بعد أن قرر الرئيس ترامب إعفاء الشركة من الرسوم الجمركية. قام تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل، بزيارة رفيعة المستوى إلى البيت الأبيض، حيث التقى بترامب في 6 أغسطس. في حدث منسق بعناية، أعلنت الشركة عن خطة استثمار بقيمة 100 مليار دولار لتوسيع التصنيع محليًا في الولايات المتحدة. ترامب، بدوره، أشاد علناً بآبل وأكد أن الشركات "الملتزمة بالبناء في أمريكا" ستكون معفاة من الرسوم الجمركية المقترحة بنسبة 100% على أشباه الموصلات والإلكترونيات المستوردة.
الذهب يحلق عالياً وبيتكوين يستعيد زخمه
كسر الذهب حاجزًا جديدًا هذا الأسبوع، حيث ارتفعت العقود الآجلة للذهب في السوق الأمريكي إلى مستوى تاريخي عند 3,534 دولارًا للأونصة، قبل أن تستقر حول 3,491 دولارًا. جاءت القفزة مدفوعة باستمرار الطلب من رؤوس الأموال الباحثة عن الملاذ الآمن بعد تقارير عن أن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تُطبق على سبائك الذهب المستوردة. أغلق الذهب الأسبوع بالقرب من 3,397 دولارًا للأونصة، مرتفعًا حوالي 1%. كما تعزز أسعار الفائدة الحقيقية التي بلغت ذروتها وبدأت في الانخفاض من الزخم الإيجابي لسعر الذهب، مع بقاء التضخم معتدلًا، والانخفاض المتوقع للعوائد على السندات مع بدء دورة خفض الفائدة.
وفي الوقت نفسه، واصل بيتكوين ارتفاعه الملحوظ لعام 2025. في منتصف يوليو، قفز بيتكوين فوق 120,000 دولار لأول مرة على الإطلاق، ووصل إلى ذروة قياسية عند حوالي 123,153 دولارًا في 14 يوليو. وحتى مع التراجع المحدود منذ ذلك الحين، حيث يتحرك السعر حاليًا حول 117-118 ألف دولار، لا يزال بيتكوين أحد أفضل الأصول آداءً لعام 2025.
💡 توقعات خبراء أموال: نحتفظ بتوقعاتنا الإيجابية للذهب خلال صيف 2025، حيث نتوقع استمرار صعود الأسعار في ظل توقعات خفض الفائدة وضعف الدولار. الاختراق فوق 3,400 دولار سيؤكد استئناف الاتجاه الصاعد نحو 3,550-3,750 دولار. على المدى الطويل، نرى أن الذهب في موقع جيد للاستفادة من أي تحول في السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير، خاصة إذا تزامن ذلك مع استمرار التوترات الجيوسياسية والتجارية.
الخلاصة
تنفست الأسواق الصعداء هذا الأسبوع مع تحول بيانات التوظيف الضعيفة إلى محفز لتوقعات خفض الفائدة، وحصول عمالقة التكنولوجيا على إعفاءات من الرسوم الجمركية، واحتمالات السلام في أوكرانيا. ومع ذلك، لا تزال المخاطر كامنة تحت السطح.
التحول الجاري في الفيدرالي من نهج باول المعتمد على البيانات إلى نهج والر الاستباقي يمثل تغييراً جوهرياً قد يعيد تشكيل أسواق المال لسنوات قادمة. بينما تحتفل الأسواق الآن باحتمال تيسير أسرع، فإن المخاطر طويلة الأجل لتآكل استقلالية الفيدرالي وعودة التضخم لا يجب تجاهلها.
💡 في أموال، نراقب عن كثب مؤشر العوائد الحقيقية على السندات لأجل 10 سنوات كمؤشر رئيسي لتوقيت أي تعديلات تكتيكية على المحفظة. مع اقتراب "تغيير النظام" في الفيدرالي، نبقى متفائلين بحذر، مدركين أن الأسواق قد تكون مفرطة في التفاؤل على المدى القصير لكن الاتجاه العام يدعم استمرار صعود أصول المخاطرة حتى نهاية 2025.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لرصد المستجدات وتحليل تداعياتها على الأسواق والأصول الاستثمارية.