أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
شهدت الأسواق المالية العالمية انقلابًا دراميًا نهاية هذا الأسبوع، حيث تحولت من تسجيل مستويات قياسية جديدة إلى موجة بيع حادة هزت ثقة المستثمرين. انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 2.4% في أسوأ أداء أسبوعي له منذ مارس الماضي، بينما سجل مؤشر Russell 2000 للشركات الصغيرة خسائر أعمق بلغت 4.2%. الأسهم الأوروبية لم تكن بمنأى عن العاصفة، حيث هبط مؤشر STOXX 600 بنسبة 2.6%، وانخفض مؤشر DAX الألماني وCAC الفرنسي بأكثر من 3%.
وجاءت المفاجأة الكبرى من سوق العمل الأمريكي، حيث أظهر تقرير الوظائف لشهر يوليو إضافة 73 ألف وظيفة فقط، نصف التوقعات تقريبًا. الأسوأ من ذلك كانت المراجعات الضخمة للأشهر السابقة، حيث تم تخفيض أرقام مايو ويونيو بمقدار 258 ألف وظيفة، في أكبر مراجعة سلبية منذ أكثر من عقد. كشفت هذه الأرقام عن ضعف محتمل في سوق العمل، مما دفع الأسواق لإعادة تسعير احتمالات خفض الفائدة الأمريكية بشكل جذري.
في خضم هذه التقلبات، عاد الذهب إلى دوره كملاذ آمن، قافزًا بأكثر من 2% يوم الجمعة ليصل إلى 3,360 دولارًا للأونصة، مستمرًا في مساره الصاعد مدفوعًا بضعف الدولار وإقبال رؤوس الأموال الباحثة عن ملاذٍ آمنٍ مستقر.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق المختلفة مع هذه التطورات الاقتصادية، ونحلل ما إذا كنا على أعتاب تحول جذري في السياسة النقدية الأمريكية، وكيف يؤثر ذلك على استراتيجيات الاستثمار حتى نهاية 2025.
سوق العمل الأمريكي يكشف عن وجهه الحقيقي
جاء تقرير الوظائف الأمريكية لشهر يوليو بمثابة صدمة للأسواق وصناع السياسة على حد سواء. حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي 73 ألف وظيفة فقط، أي حوالي نصف التوقعات التي كانت تشير إلى 110 ألف وظيفة. لكن الصدمة الحقيقية كانت في المراجعات الهائلة للأشهر السابقة، حيث تم تخفيض نمو الوظائف في مايو من 144 ألف إلى 19 ألف فقط، وفي يونيو من 147 ألف إلى 14 ألف فقط.
هذه المراجعات، البالغ مجموعها 258 ألف وظيفة، تُعد الأكبر منذ أكثر من عقد، وتعني أن ما كان يبدو كنمو وظيفي "مستقر ظاهريًا" كان في الواقع "غير موجود أساسًا". ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، لكن حتى هذا الرقم قد يكون مضللًا، فمعدل المشاركة في القوى العاملة انخفض إلى 62.2%، كأدنى مستوى منذ 2022، مما يعني أن الكثيرين تركوا سوق العمل تمامًا.
تفاصيل الأرقام تكشف عن حقيقة مقلقة، 81% من نمو الوظائف منذ تولي ترامب السلطة في يناير 2025 جاء من القطاعات الحكومية وشبه الحكومية (الإدارة العامة، والتعليم، والصحة)، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ حوالي 30%. التوظيف في القطاع الخاص توقف بشكل شبه كامل، بل إنه ينكمش الآن بمعدل سنوي قدره 0.4% للمرة الأولى منذ 2020.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن سوق العمل الأمريكي أضعف بكثير مما يوحي به معدل البطالة الرسمي. ونتوقع أن يدفع هذا الضعف الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة في سبتمبر، ربما بمقدار 50 نقطة أساس (0.5%) إذا جاء تقرير أغسطس ضعيفًا أيضًا.
الخزانة الأمريكية تستمر في مسارها دون تغيّر يُذكر
أعلنت الخزانة الأمريكية في 31 يوليو عن خطة إعادة التمويل الربع سنوية التي جاءت متماشية إلى حد كبير مع توقعاتنا في العدد السابق. أبقت الخزانة على أحجام طروحاتها من السندات دون تغير يُذكر، واختارت الاستمرار في الاعتماد على أذون الخزانة قصيرة الأجل مع زيادات متواضعة في برامج إعادة الشراء بدلاً من أي تحولات جذرية.
إجمالاً، ستطرح الخزانة 125 مليار دولار في عملية إعادة التمويل القادمة (أغسطس-أكتوبر)، 58 مليار دولار في سندات الـ3 سنوات، و42 مليار دولار في سندات الـ10 سنوات، و25 مليار دولار في سندات الـ30 سنة، مطابقة بذلك عملية إعادة التمويل في فبراير الماضي. الأهم من ذلك، أشار المسؤولون بشكل صريح إلى أنه لا توجد خطط لزيادة مزادات السندات في المستقبل القريب، ما لم يحدث تغيير كبير في الأوضاع المالية والاقتصادية. تشير هذه الاستراتيجية إلى تنسيق مستمر بين السلطات المالية (الخزانة) والنقدية (الاحتياطي الفيدرالي) للحفاظ على استقرار الأوضاع المالية، حتى في ظل الضغوط المستمرة من الرئيس ترامب.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن استراتيجية الخزانة الأمريكية الحالية تدعم أسواق السندات على المدى القصير، حيث يحد التركيز على الأذون قصيرة الأجل من الضغط على العوائد طويلة الأجل. لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر طويلة المدى، حيث يؤدي الاعتماد المفرط على الديون قصيرة الأجل إلى زيادة تكلفة إعادة التمويل إذا ارتفعت أسعار الفائدة مستقبلاً.
الاحتياطي الفيدرالي على مفترق طرق
أبقى الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع 30-31 يوليو، لكن التطور المثير كان في تفاصيل التصويت داخل مجلس الفيدرالي. على عكس السائد، حيث تأتي قرارات الفيدرالي دومًا بإجماع كامل من أعضاء المجلس، فضّل كريستوفر والر وميشيل بومان هذه المرة الانشقاق عن الإجماع، وصوتا لصالح خفض فوري بمقدار 25 نقطة أساس (0.25%). هذا الانشقاق النادر يعكس قلقًا متزايدًا داخل الفيدرالي بشأن تراجع قوة سوق العمل واحتمالات تراجع النمو بشكل يهدد بانزلاق الولايات المتحدة إلى ركود.
اعترف رئيس الفيدرالي جيروم باول بأن "النشاط الاقتصادي تباطأ في النصف الأول"، وأن "المخاطر السلبية على سوق العمل واضحة بالتأكيد"، لكنه أكد على أن السياسة الحالية مازالت مناسبة. لهجته المتشددة في المؤتمر الصحفي، مؤكدًا أن الفيدرالي سينتظر المزيد من البيانات قبل اتخاذ أي قرار بخفض الفائدة، خففت في البداية من آمال السوق في تيسير نقدي قريب.
لكن البيانات الواردة من سوق العمل أظهرت تحديًا سريعًا لموقف باول. كل من والر وبومان جادلا علنًا بأن الفيدرالي يجب أن يبدأ في خفض الفائدة الآن، محذرين من أنه "عندما يتحول اتجاه سوق العمل، فإنه غالبًا ما يتدهور بسرعة"، ولذلك من الأفضل خفض الفائدة بشكل استباقي بدلاً من التأخر أكثر من اللازم.
بعد صدمة بيانات سوق العمل، قفزت احتمالات خفض الفائدة في سبتمبر من أقل من 40% إلى أكثر من 80%. بحلول نهاية الجمعة، كانت أسواق العقود الآجلة تسعر احتمالية 87.5% لخفض الفائدة في سبتمبر، وحوالي 88% لخفض الفائدة مرتين بحلول نهاية العام.
💡 توقعات خبراء أموال: نرى أن الفيدرالي على وشك ارتكاب خطأ في إدارة السياسة النقدية إذا تجاهل هذه الإشارات الواردة من سوق العمل. تؤكد البيانات أن الاقتصاد تباطأ بما يكفي لتبرير خفض الفائدة، والفشل في الخفض سيشدد الأوضاع المالية في فترة ضعف موسمي. نتوقع خفضًا بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر كحد أدنى، مع احتمالية خفض 50 نقطة إذا استمر ضعف البيانات.
الذهب يستعيد بريقه كملاذ آمن
أكد الذهب مجددًا دوره كملاذ في أوقات الاضطراب، حيث قفز بأكثر من 2% يوم الجمعة ليصل إلى حوالي 3,360 دولارًا للأونصة، أعلى مستوى له في أسبوع. جاء الارتفاع الحاد مدفوعًا ببيانات التوظيف الضعيفة التي أثارت توقعات خفض الفائدة الأمريكية، مما أضعف الدولار ودعم المعدن الأصفر. حيث وفر انخفاض مؤشر الدولار الأمريكي 1.4% يوم الجمعة إلى أدنى مستوى له في شهرين دعمًا إضافيًا لسعر الذهب.
رغم التقلبات المتكررة، يبدو أن الاتجاه الصاعد الأساسي لسعر الذهب مازال مستمرًا. وكما أشرنا في أعدادنا السابقة، استمرار تدفق الاستثمارات إلى الذهب من رؤوس الأموال الباحثة عن الملاذ الآمن، والطلب القوي من البنوك المركزية، يدعم الأسعار حتى نهاية 2025.
💡 توقعات خبراء أموال: نتوقع استمرار صعود الذهب في ظل توقعات خفض الفائدة وضعف الدولار. الاختراق فوق 3,400 دولار سيؤكد استئناف الاتجاه الصاعد نحو 3,550-3,750 دولار. على المدى الطويل، نرى أن الذهب في موقع جيد للاستفادة من أي تحول في السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير، خاصة إذا تزامن ذلك مع استمرار التوترات الجيوسياسية والتجارية.
الخلاصة
دخلت الأسواق المالية العالمية مرحلة حرجة هذا الأسبوع. الانقلاب الدرامي من المستويات القياسية إلى موجة البيع الحادة، مدفوعًا بصدمة الوظائف الأمريكية واستمرار ترامب في التصعيد التجاري، يشير إلى أن المستثمرين يعيدون تقييم المخاطر بشكل جذري. كشف سوق العمل الأمريكي عن ضعف أعمق بكثير مما كان متوقعًا، مما دفع الأسواق لتوقع خفضٍ شبه مؤكد للفائدة في سبتمبر. في الوقت نفسه، التصعيد التجاري المستمر يهدد بإضافة ضغوط تضخمية وإبطاء النمو، مما يضع الفيدرالي في موقف صعب.
المستثمرون يقفون الآن عند مفترق طرق: هل سيؤدي ضعف البيانات الاقتصادية إلى تيسير نقدي سريع يدعم الأصول الخطرة؟ أم أن مزيج التباطؤ والتصعيد التجاري سيدفع الأسواق إلى مرحلة أعمق من التصحيح؟
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لرصد المستجدات وتحليل تداعياتها على الأسواق والأصول الاستثمارية.
محتوى رائع شكرا على مجهودكم