مؤشرات وول ستريت تحقق مكاسب قياسية
الأسهم الأمريكية تستمر في الصعود، والأسواق العالمية تتأهب ليوم 9 يوليو الفاصل
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
تأرجحت الأسواق المالية العالمية خلال الأسبوع الماضي بين التفاؤل والحذر. في الولايات المتحدة، سجّلت المؤشرات الرئيسية قممًا تاريخية جديدة مدفوعة بعمليات إعادة شراء أسهم واسعة وتقرير وظائف فاق التوقعات. تخلّت السندات الأمريكية عن بعض مكاسبها مع صعود العوائد بفعل البيانات الأميركية القوية ومخاوف العجز المالي، فيما واصل مؤشر الدولار التراجع تحت وطأة أكبر توسّع مالي منذ سنوات. استقرت الأسهم الأوروبية بعد تذبذب منتصف الأسبوع نتيجة أزمة مالية في لندن، بينما لا تزال حالة الترقب مسيطرة على المستثمرين في انتظار القرار الأميركي بشأن الرسوم. أما عن الجانب الشرقي من العالم بالتحديد في آسيا، حققت أسهم شنغهاي مكاسب طفيفة وتراجعت هونج كونج بفعل ضبابية المشهد التجاري.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية مع التطورات الاقتصادية وقرارات السياسة التجارية المرتقبة، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
الأسهم الأمريكية تستمر في الصعود، والتوسع المالي يضغط على الدولار
استمرت مكاسب الأسهم الأمريكية هذا الأسبوع، إذ ارتفع مؤشر S&P 500 حوالي 1.7% ليصل إلى مستويات قياسية جديدة عند 6,280 دولار. كما ارتفع مؤشر Dow Jones الصناعي 2.3%، وNasdaq، الذي يضم بشكل أساسي أسهم التكنولوجيا، حوالي 1.5%. جاءت الارتفاعات الجماعية مدعومة بعمليات إعادة شراء الأسهم، حيث توظّف الشركات سيولتها النقدية لدعم أسهمها وسط ضبابية السياسة التجارية.
على صعيد البيانات الاقتصادية، تفاجأت الأسواق إيجابيًا إذ أضاف الاقتصاد 147 ألف وظيفة في يونيو مقابل توقعات بإضافة 111 ألفًا فقط، ما دفع معدل البطالة إلى %4.1 بدلاً من %4.3. قوة سوق العمل، إلى جانب استقرار التضخم فوق المستويات المستهدفة، دفعت المتعاملين إلى استبعاد خفضٍ وشيك لأسعار الفائدة. كما أبقى الاحتياطي الفيدرالي الفائدة ثابتة في اجتماعه الأخير في منتصف يونيو، ومن المنتظر أن يكشف محضر الاجتماع، الذي سيتم إصداره الأسبوع المقبل، عن محاولة الفيدرالي الموازنة بين دعم النمو الاقتصادي والمخاطر التجارية المُحتملة، مع تأجيل أي تيسير نقدي، أي خفض للفائدة، إلى وقت لاحق من العام.
بالتبعية، أعطى تقرير الوظائف عوائد السندات الأميركية دفعة إيجابية، فارتفع عائد السندات لأجل 10 سنوات بنحو 5 نقاط إلى 4.3%، بينما صعد عائد السنتين 9 نقاط إلى 3.88%. في المقابل، واصل الدولار التراجع؛ فسجّل مؤشره أسوأ أداء نصف سنوي منذ 1973 على خلفية توقعات التيسير النقدي في نهاية المطاف ومخاوف الاستدامة المالية الأميركية في ظل الارتفاع المستمر في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج القومي. فبالرغم من التعافي المؤقت لمؤشر الدولار بعد بيانات الوظائف القوية، الخميس الماضي، أنهى المؤشر الأسبوع منخفضًا بنسبة 0.3%، لتتخطى بذلك إجمالي خسائر الدولار منذ بداية العام حاجز 10.6%.
أما على صعيد السياسة المالية، نجحت الإدارة الأمريكية في تمرير قانون الموازنة الجديد "One Big Beautiful Bill Act" عبر الكونجرس الأمريكي، ما يُضيف نحو 3.4 تريليون دولار إلى الدين الأمريكي خلال العِقد المقبل. إذ يتوقع خبراء أموال أن تعتمد الحكومة الأمريكية بشكل أكبر على أذون الخزانة قصيرة الأجل لتمويل العجز المالي، بدلًا من السندات طويلة الأجل، ما يخفف الضغط على معدل الفائدة ويسمح للأسهم والأصول الاستثمارية بشكل عام بالاستمرار في الصعود. لكن التوقف الكامل عن إصدار سندات طويلة الأجل، بحسب رغبة ترامب في الاعتماد حصرًا على أذون الخزانة قصيرة الأجل (أقل من 9-12 شهر)، سيمثل تحولًا هيكليًا في الاقتصاد الأمريكي يدفع الدولار إلى المزيد من الهبوط، مقابل دعم مؤشر S&P500 لتخطي مستويات 7,000 دولار، كما سيرفع الذهب إلى مستويات قياسية قريبة من 4,000 دولار للأونصة. لذلك، نراقب في أموال التقارير الأسبوعية الصادرة عن الخزانة الأمريكية لتحديد المزيج طويل/قصير الأجل الذي تعتمد عليه في الاستدانة للتعرف مبكرًا على أية تحول في توجهات الإدارة الأمريكية بخصوص سوق السندات.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى التوجه الأفضل في الوقت الحالي هو الانكشاف المرتفع على الأسهم الأميركية وبتكوين، مع التحوّط عبر شراء مراكز مناسبة من الذهب.
الاقتصاد العالمي ينتظر انتهاء المهلة التجارية الأمريكية
تعرّضت الأسواق البريطانية لصدمة في منتصف الأسبوع بعدما أخفقت الحكومة في خفض إعانات الرعاية الاجتماعية، إحدى الركائز الأساسية في خطة خفض العجز، ما فتح فجوة بقيمة 4.5 مليار جنيه إسترليني في ميزانية الحكومة وعزّز تكهّنات بإمكانية عزل وزيرة الخزانة لصالح بديل أقل تقشفًا. دفعت تلك الصدمة عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى نحو 4.55% (الأعلى أوروبيًا)، كما هبط الإسترليني، وتراجع مؤشر FTSE 100 بفعل ارتفاع الفائدة وضبابية المشهد السياسي. لكن بحلول الخميس، جدد رئيس الحكومة ستارمر دعمه لوزيرة الخزانة، فتعافت السندات والاسترليني جزئيًا واسترد مؤشر الأسهم بعض خسائره.
كان الوضع أكثر استقرارًا في سوق الأسهم الأوروبية، حيث أنهى مؤشر STOXX 600 الأسبوع دون تغير يُذكر. كانت الأسهم قد انخفضت مطلع الأسبوع مع اندلاع الأزمة في لندن، بالإضافة إلى تجدّد المخاوف من السياسة التجارية الأمريكية، قبل أن تتعافى مع عودة الاستقرار في بريطانيا وغياب أي تصعيد جمركي من الجانب الأمريكي. كما سيطر التفاؤل على البيانات الاقتصادية أيضًا، حيث أظهرت التقديرات الأولية ارتفاع معدل التضخم بمنطقة اليورو إلى %2.0 في يونيو، ليبلغ هدف البنك المركزي الأوروبي بعد عامٍ من خفض الفائدة. عودة التضخم إلى النطاق المستهدف جددت الدعوات لوقف التيسير النقدي، ما دفع بدوره عوائد السندات للارتفاع، وعزز مكاسب اليورو، الذي ارتفع أمام الدولار الأمريكي حوالي 13.7% من بداية العام.
قد لا يستمر التفاؤل كثيرًا، فلا يزال القلق مسيطر على المشهدين الأوروبي والبريطاني قبيل انتهاء مهلة الرسوم التجارية الأميركية في 9 يوليو. حيث يخشى المصدّرون فرض تعريفات قاسية إذا تعثّرت المفاوضات، في حين يسعى صنّاع القرار إلى انتزاع "اتفاق مبدئي" يوفر هدنةً جمركية مؤقتة حتى يتم حل القضايا الأكثر تعقيدًا. ويرجح خبراء "جي بي مورجان" نجاح المفاوضين في الوصول إلى اتفاق مؤقت يُرجئ القرارات الشائكة ويُبقى الرسوم القائمة على حالها.
أما عن آسيا، فكان أداء الأسواق الصينية متباينًا. فبالرغم من ارتفاع مؤشر بورصة شنغهاي %0.4 خلال الأسبوع، مدعومًا بإشارات اقتصادية إيجابية وتوقعات بمزيد من الدعم الحكومي، شهدنا تراجعًا لمؤشر HSI في هونغ كونغ %0.6 تحت وطأة ضبابية العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، فيما ألمحت بكين إلى مزيد من التيسير النقدي والمالي لمعالجة ضغوط الانكماش. ومن المتوقَّع أن تُظهر بيانات التضخم في 9 يوليو المقبل تضخمًا منخفضًا للغاية وربما انكماشًا في بعض القطاعات، ما يعزز احتمالات المزيد من الخفض لنسبة الاحتياطي الإلزامي وضخ سيولة إضافية في الماكينة الاقتصادية. إقليميًا، يدرس عدد من البنوك المركزية في آسيا، مثل "الاحتياطي الأسترالي" و"بنك كوريا"، تقليص الفائدة أيضًا، ما يمنح الصين هامشًا للمناورة دون تعريض اليوان لضغوط كبيرة، إذ استقرّت العملة حول 7.16 يوان للدولار مستفيدةً من ضعف الدولار عالميًا.
لكن تبقى المفاوضات التجارية ورقةً مجهولة. إذ لم تتجاوز المحادثات مع واشنطن حاجز التفاهمات المبدئية، فيما تنتهي مهلة وقف الرسوم الأميركية في الأيام المقبلة، ما يهدد الصادرات الصينية برسومٍ أشدّ. في الوقت ذاته تملك بكين ورقة ضغط في حظرها الفعلي لتصدير المعادن النادرة الضرورية لصناعات التكنولوجيا والدفاع الأمريكية، ما قد يعطّل بعض المسارات التفاوضية.
الذهب يعاود الصعود
دخلت أسعار الذهب مرحلة صعود جديدة بعد أن أنهت تصحيحًا قصير الأجل. كان الذهب قد لامس مستوى 3,250 دولارًا في 30 يونيو، لكنه ارتد بقوة خلال الأسبوع الماضي كما توقعنا.
يعتمد سعر الذهب في النصف الثاني من 2025 على أربعة دعائم رئيسية:
انعطاف السياسة النقدية: تتزايد توقعات خفض "الفيدرالي" للفائدة لاحقًا في 2025، ما قد يخفض العائد على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات ويعزّز جاذبية الذهب.
التوسع المالي وهشاشة الدولار: الحزمة المالية الجديدة التي تم إقرارها في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي تكرّس استمرارًا للعجز المالي الأمريكي، ما يدعم الذهب كأداة تحوّط تقليدية ضد تآكل العملة.-٠٠
المخاطر التجارية: تصاعد الحرب التجارية واحتمال عودة أزمة الرسوم الأمريكية إلى صدارة المشهد في يوليو يرفع الطلب على الملاذات الآمنة.
مشتريات البنوك المركزية: تستمر البنوك المركزية شراء الذهب بوتيرة قياسية، كاستراتيجية تحوط ضد احتمالات "تسليح" الدولار، بعدما قررت الولايات المتحدة تجميد ممتلكات البنك المركزي الروسي من السندات الأمريكية بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية.
💡 توقعات خبراء أموال: يبقى الذهب أصلًا استراتيجيًا في محافظنا على المدى الطويل. نتوقع أن يتخطى السعر بنهاية صيف 2025 مستويات 3,700 دولار، قبل الهبوط مجددًا دون مستويات 2,900 دولار بنهاية العام أو بداية 2026. تصاعد العجز المالي يُربك المشهد المالي الأمريكي، ويضع الذهب كبديل أكثر فعالية من السندات في تكوين المحافظ الاستثمارية، ما لم يظهر عزم سياسي واضح على كبح الإنفاق وخفض الدين.
الخلاصة
نتظر الأسواق العالمية أسبوعًا محوريًا تنتهي فيه مهلة الـ90 يومًا التي بدأتها إدارة ترامب في أبريل الماضي للتفاوض حول الرسوم الجمركية. انتهاء المهلة دون الوصول إلى اتفاقيات تجارية مناسبة قد يعني عودة واشنطن لفرض رسوم تجارية تتراوح بين 10% إلى 70% على الواردات من عدة دول، ما سوف يشكل صدمة للأسهم العالمية، تدفع المستثمرين للجوء إلى الملاذات الآمنة.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.