واشنطن تقصف طهران وتضع الأسواق في قلب العاصفة
الضربات الأمريكية تُصعِّد الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وتُرغم المستثمرين على إعادة تقييم المخاطر
أهلًا بكم في نشرة أموال الأسبوعية!
اتخذَّت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية منعطفًا أكثر حدّة عندما نفّذت الولايات المتحدة أولى ضرباتها المباشرة ضد مجمّعات فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران في آن، في الساعات الأولى من صباح الأحد 22 يونيو. يُدخِل هذا الهجوم واشنطن رسميًا في صلب الصراع الإسرائيلي-الإيراني ويجبر المستثمرين على إعادة النظر في احتمالات تطور أسعار الطاقة ومخاطر التضخم. تقدّر النماذج الجيوسياسية التي أوردناها في العدد السابق احتمال اندلاع حربٍ إقليمية أوسع تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز بنسبة 65.8%، واحتمال مواجهة أمريكية-إيرانية شاملة تقصف فيها إيران المصالح الأمريكية في المنطقة بنسبة %22.4، فيما لا تتجاوز الآن احتمالات التهدئة الدبلوماسية 1.2%.
بانتقال مركز ثقل الصراع من تل أبيب وطهران إلى واشنطن، سيحدِد ما إذا كانت الضربة مجرّد استعراض للقوة أو طلقة البداية في حملة عسكرية مطوَّلة اتجاه الـ10 دولارات التالية في سعر البترول، ويتحدد معها مسار التضخم وشكل الاقتصاد العالمي خلال الأشهر القادمة.
نرصد في نشرة هذا الأسبوع تفاعل الأسواق الرئيسية مع الأحداث المتسارعة، ونحلل كيف ستؤثر المعطيات الحالية على حركة أسعار الأصول المختلفة في النصف الثاني من 2025.
تطورات الحرب الإسرائيلية-الإيرانية
في تدخلٍ علني يرفع مستوى الصراع إلى ما هو أبعد من تبادل الضربات المعتاد بين إسرائيل وإيران، وجّهت الولايات المتحدة ضرباتٍ مباشرة إلى منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية في إيران. فقد أسقطت قاذفات B-2 ستَّ قنابل خارقة للتحصينات، وأطلقت نحو ثلاثين صاروخًا تجاه المنشآت الإيرانية، في أول استخدامٍ قتالي لأثقل الذخائر التقليدية الأمريكية. وأعلن الرئيس ترامب أن المواقع "دُمرت تمامًا"، غير أن طهران تؤكد أنّ البنية التحتية الأساسية للتخصيب لا تزال تعمل بكفاءة. انخراط واشنطن المباشر في الصراع يُرغم طهران على الاختيار بين إبداء ضبط النفس والاكتفاء بالمسار الحالي أو إظهار الحزم، وهو طيفٌ من الخيارات يمتد من ضرباتٍ سيبرانية محسوبة إلى رشقات صاروخية تستهدف البِنى التحتية والقواعد الأمريكية في الخليج.
تتغير بهذه الضربة كافة الاحتمالات التي أوردناها في عدد النشرة السابق:
حرب إقليمية واسعة المدى (65.8%):
ارتفعت احتمالات نشوب حربٍ إقليمية تتمحور حول إغلاق مضيق هرمز وتعطيل الملاحة في الخليج إلى 65.8%، مقابل 30% فقط في بداية الأسبوع الماضي. سترتفع في هذا السيناريو أسعار البترول إلى مستويات 110-130 دولارًا، وستهوي الأسهم العالمية حوالى 15%، بينما سيتخطى الذهب مستوى 3,700 دولار.
حرب شاملة (22.4%):
قفزت فرص اندلاع صدام أمريكي-إيراني مباشر تقصف فيه إيران المصالح الأمريكية في منطقة الخليج إلى 22.4%، بدلًا من 5% فقط في بداية الأسبوع الماضي. في سيناريو كهذا، ستتعطل سلاسل التوريد العالمية بشكل قد يؤدي إلى ركود تضخمي عالمي يؤدي بدوره إلى انخفاض الأسهم بأكثر من 20%، بينما سيتجاوز الذهب حاجز 4,000 دولار.
استمرار القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران دون تصعيد جديد (10.6%):
تراجعت احتمالات الاكتفاء بقصفٍ متبادل بين إيران وإسرائيل إلى 10.6%، مقارنة بـ45% في بداية الأسبوع الماضي. يفترض هذا السيناريو أن يأتي رد إيران على القصف الأمريكي في حدود القصف الصاروخي وهجمات الطائرات المسيّرة ضد إسرائيل بصورة لا تعطل صادرات البترول أو الملاحة في الخليج. سيتحرك سعر البترول داخل نطاق 70-80 دولارًا، وتستمر الأسهم والسندات والذهب في المستويات الحالية.
تهدئة دبلوماسية (1.2%):
تراجعت احتمالات احتواء الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية إلى 1.2% فقط، بعدما كانت تقارب 20% مطلع الأسبوع الماضي. فمع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة وشنها ضربات مباشرة ضد إيران، تتلاشى فرص التهدئة سريعًا. بينما يتطلب سيناريو التهدئة أن يكون وقع الضربة الأمريكية محدودًا إلى حدٍ يسمح لإدارة ترامب بإعلان النصر داخليًا، وفي الوقت نفسه يتيح لطهران العودة إلى طاولة المفاوضات دون تكبّد خسائر فادحة في برنامجها النووي تُحرجها أمام الرأي العام. بهذه المعادلة الدقيقة وحدها يمكن للدبلوماسية أن تعود إلى واجهة المشهد.
الاقتصاديات الكُبرى تترقب نتائج التصعيد
قرر الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه يوم الأربعاء 18 يونيو تثبيت سعر الفائدة للمرة الرابعة على التوالي عند 4.25%-4.50%، لكن ملخّص التوقعات الاقتصادية، الذي يصدره الفيدرالي كل 3 أشهر، رفع تقديراته لمعدل التضخم لعام 2025 إلى 3.0% ومعدل البطالة إلى 4.5%، مع خفض النمو المتوقع إلى 1.4%. رسالة الفيدرالي الواضحة هي أن خطر الركود التضخمي ما زال قائمًا في ظل تصاعد الأزمة في الشرق الأوسط، ولذلك تقف تقديرات صانعو السياسة عند خفض لا يتجاوز 25-50 نقطة أساس قبل نهاية ديسمبر 2025، وهو مستوى أدنى بكثير من تسعير السوق الذي يُقدِّر خفضًا بنحو 90 نقطة أساس قبل نهاية العام.
في أوروبا، قد يكون الخفض الثامن لسعر الفائدة لدى البنك المركزي الأوروبي إلى مستويات 2% هو الأخير في عام 2025. حيث عاد التضخم الأساسي إلى المستوى المستهدف قرب 2.4%، مانحًا صانعي السياسة مساحة لالتقاط الأنفاس بينما تنحسر مخاطر الركود. الخطر الرئيسي الذي يواجه منطقة اليورو هو البترول، فارتفاع مستدام لسعر البترول فوق مستويات 80 دولار قد يرفع التضخم 0.3% ما يجبر المركزي إما على التساهل مع أسعار تفوق المستهدف أو التراجع عن مسار التيسير.
في الصين، خفضت بكين معدل الفائدة إلى 3% في أول تحرك منذ أكتوبر. بينما تمنح الهدنة التجارية مع الولايات المتحدة متنفسًا مؤقتًا لصناع القرار. استمرار تراجع طلبات التصدير لثمانية أشهر متتالية يكشف أزمة تنتظر الانفجار، خصوصًا في ظل ارتفاع محتمل لأسعار البترول يدفع فاتورة الواردات الصينية إلى الارتفاع.
الذهب ينتظر وضوح الرؤية الجيوسياسية
يستمر الذهب في الحركة حول مستويات 3,400 دولار مدفوعًا بالإقبال العالمي على الملاذات الآمنة بفعل الأزمة التجارية التي أشعلها ترامب في أبريل الماضي، ثم الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط. يواجه الذهب أربعة عوامل تُعيق تقدم السعر على المدى القريب، اثنان منها باتا خلفه بالفعل، قرار الفيدرالي الذي صدر بالفعل الأربعاء الماضي وانتهاء عقود الخيارات على مؤشر GLD، ولا يتبقّى سوى استحقاق عقود خيارات COMEX لشهر يوليو في 25 يونيو المقبل ونهاية الربع في 30 يونيو. وحتى انتهاء شهر يونيو، يتوقع خبراء أموال استمرار الحركة العرضيّة حول مستويات 3,300-3,400 دولار.
يظل الدافع الرئيسي لارتفاع سعر الذهب في النصف الثاني من 2025 هو الإقبال العالمي على الملاذات الآمنة بفعل اتّساع علاوة المخاطر على خلفية التصعيد المستمر بين إسرائيل وإيران. يُضاف إلى ذلك طلبٌ قياسي على الذهب من البنوك المركزية، ومسار التيسير النقدي الذي تتبعه البنوك المركزية الكبرى في العالم. ويظل الهدف الأقرب للذهب على المدى المتوسط هو تخطي مستويات 3,700 دولار.
الخلاصة
تجاوزت الولايات المتحدة خطًا طالما دارت حوله بحذر، محوّلةً المواجهة الثنائية بين إسرائيل وإيران إلى صراع ثلاثي الأبعاد يهدد بحربِ إقليمية. لم يعد بإمكان اللاعبين الكبار في السوق التهاون بعناوين الأخبار القادمة من الشرق الأوسط، فصاروخ إيراني واحد موجَّه نحو مضيق هرمز قد يدفع البترول إلى خانة المئة دولار ويُعيد شبح التضخم إلى صدارة المشهد مرة أخرى.
ترقّبوا عددنا الأسبوعي يوم الأحد المقبل لمواكبة أبرز المستجدات وتحليل انعكاساتها على مختلف الأصول الاستثمارية.